اللحظة

 

رحمة بنت منصور الحارثية

 

اللحظة صغيرة جداً وهي الآن بالنسبة للزمن والنقطة بالنسبة للمكان والحد المشترك بين مدتين متتاليتين.اللحظة زوالها فوري تساوي تسعين ثانية.

كم منِّا وجد نفسه بين هذه السطور؟ ارتشف فنجان القهوة أو كوب الشاي، واكتشف أنه أكمله ولم يستشعر طعمه أو حرارته، أو تناول الطعام دون أن يستلذ بطعم ما فيه أو حاوره فلان ونسي نصف الحديث، أو كان بصحبة العائلة أو الأصحاب ولم يكن حاضرا بالمكان وغيرها الكثير.

ما الأشياء التي تحيد عن الإحساس باللحظة؟ الالتزامات الكثيرة وشبكات التَّواصل، وتراكم الأشياء بوقت واحد، والمسؤوليات والمقاطعة للحديث والاستغراق بالتفكير في أحلام اليقظة.

وهناك أمثلة واقعية قد يجد القارئ نفسه فيها مثل: أن يُسافر عدة أماكن ويعود وكأنه لم يرَ الجديد فيها، ويرتاد عدة مطاعم ولا يستلذ الأطعمة، ويتنقل بين الحدائق ولا يتذكر عبق الورد أو رائحة العشب، ويحضر مناسبة ما ولم يركز من كان هناك أو تحدث مع من أو ماذا رأى.

وثمة مهارة يتقنها الصغار ما أحوجنا لها اليوم، وهي مهارة الاستغراق في اللحظة؛ وهم يلعبون ويرسمون ويأكلون ويشاهدون دون أن ينشغلو بشيء لا ماضٍ ولا مستقبل سوى لحظة الحاضر على الرغم من غزو المشتتات الذهنية الإلكترونية ولكن يظل الطفل طفلاً بروعة عالمه الجميل.

لما تقع النفس في نسيان اللحظة والاستمتاع بها؟ مهارة مكتسبة لم نولد بها جراء القلق والتردد والحنين والفقد والكتمان، والتعمق بالتفكير واجترار الماضي ليقضي على الحاضر، ويزاحم اللحظة ويعتصر بريقها، وحرمان النفس من العيش في فضائها الرحب.

هل ثمة أسباب تكبل اللحظة دون استشعارها؟ بلى توجد أسباب وعديدة أيضًا، هي مزاحمة اللحظة الآنية بأشياء تفقدها رونقها،. يتناول الشخص طعامه والهاتف بيده. يشرب الماء ونداء يستحثه على عجل، يجلس مع أهله وعيناه تراقب الهاتف فيما لو وصلت رسالة ولم يقرأها. يمشي وفكره سارحا،.يمارس رياضة ما ويتذكر مواقف كدّره،.يصلي وفكره سارحا في شيء ما يريد إكماله في محاضرة ما ولكن ذهنه يبعد آلاف الأميال عن القاعة.

هل صعب أن نعيش اللحظة؟

صعب! لا لكن يحتاج عزيمة وجهدا وتدريبا،عندها اللحظة ستصبح واحة وأرفة الظلال مطرزة بأكاليل الزهور، تهدأ فيها النفس وتستقر من كل شيء بإمكانه السيطرة على الفكر؛ لتعطي اللحظة حقها ووقتها لتُسطر على أرشيف الذاكرة أروع اللحظات وأجملها.

تعليق عبر الفيس بوك