المناظرة المنتظرة

 

إسحاق البلوشي     

Isehaq26926m@gmail.com

 

بين جهل المغردين وجهل الناخبين تموت حقيقية المُرشّحين لانتخابات المؤسسات الرياضية موتاً لا حياة له إلى يوم الدين، فيرى المُشاهد ويسمع كل يوم جملةً من متناقضات الأحكام على الأشخاص وتباين الآراء فيهم، فلقد أخطأ الذين غرَّدوا ونشروا وأثنوا على ترجمات وسير المرشحين للانتخابات خطأ كبيراً وجهلوا جهلاً عظيمًا بما قاموا به.

فتعددت آراؤهم واختلفت أفكارهم حول المرشحين فلم يعرف الغث من السمين، ولا الجميل من القبيح، فاختلط الحابل بالنابل، حتى تسابق بعضهم واضعاً لنفسه جزءاً من المهمة والوصي الأمين عليها، فغرَّد عنهم جميعاً ونشر عن أغلبهم ولم يستثنِ أحداً مزهواً بعدد المتابعين لصفحته مُؤمناً بشفاعتهم له ولأفعاله.

لو علم هذا الذي يُغرد والذي نصَّب نفسه حكماً وقاضياً للمفاضلة والموازنة بين المرشحين، أن المجتمع الرياضي سيسأله يومًا عن قوله وعن حكمه، ما تجرأ في قوله وغلا فيه غلوَّا فاحشاً، فأصبح كل مرشح لديه أعلم العلماء في شؤون الرياضة، وأفقه الفقهاء في أمور الإدارة، وأنبل النبلاء في الإخلاص والنزاهة، فكيف يتميز الفاضل عن المفضول، وكيف يعرف الرئيس من المرؤوس والعالم من الجاهل، فنجد أحد المرشحين في نظر بعضهم أفضل الناس وأنقاهم، وفي نفس الوقت يكون في نظر البعض الآخر أسوؤهم وأبشعهم.

لماذا حارت عقولهم في التمييز واستفحل فيها شؤم المتناقضات والمبالغات؟ ولماذا لم يُترك هؤلاء الذين يتباهون بترجماتهم ويتفاخرون بسيرهم الذاتية، أن يقوموا بأنفسهم بتعريف المجتمع الرياضي بأفكارهم وخططهم وإمكانياتهم التي أرغمتهم للترشح وأجبرتهم لحمل هذه الأمانة الوطنية على عاتقهم؟ لماذا يقبل من يدعي انتماءه للمجتمع الرياضي والمهتم بشأنه أن يقوم بدور المتقمص الذي يتكلم بلسان غيره؟ لماذا يتكالب الجميع بقصد أو بغير قصد على إفساد الانتخابات؟ لماذا كل هذا الخداع للرياضة وللمجتمع الرياضي؟ من المستفيد الذي قدم مصالحه الزائفة على مصلحة الرياضة العامة؟

شغلني حقيقة ما شغل غيري كأحد المهتمين والباحثين في الشأن الرياضي العُماني، ما يدور في كواليس الانتخابات ومجموعات التواصل الاجتماعي، وما يقوم به المرشحون والذين يغردون على ألسنتهم من تصريحات وتلميحات أجرمت في نظري وعبثت بمفهوم العمل الانتخابي، فلا شيء يعنيهم سوى التسابق لنشر الإعلانات عن هذا المرشح أو تلك المرشحة.

أليس من بديهيات العمل الانتخابي أن يقوم المرشح بتعريف الناخبين والمجتمع الذي سيرشحه بتفاصيل خطته الانتخابية وإظهار مدى استفادتهم من وجوده في ذلك المنصب؟ أو لم يسمع هؤلاء يومًا أو شاهدوا ما يقوم به المرشحون في الانتخابات المتقدمة والمتحضرة من جهد وحرص تام على شرح تفاصيل خططهم وتوجهاتهم الانتخابية، وكيف سيكون ذلك حُكماً عليهم في المستقبل ويضعهم موضع المحاسبة والمساءلة في حال الإخلال وعدم الوفاء بها؟

لا أعتقد أنَّه يخفى على أحد أنَّ من أهم مقومات العمل الانتخابي هو أن يكون المرشح لرئاسة المؤسسات ذا مكانةٍ فكريةٍ وعلميةٍ كبيرة ويمتلك قوةً وقدرةً في تأكيد وإثبات أهليته وأحقيته بهذا الترشح، والذي كثيرًا ما تتطور حالته في الصراعات الانتخابية إلى حد المناظرات والمناقشات العلنية بين المتنافسين لتأكيد مدى إمكانيتهم وقدرتهم في إثبات تفوق خطتهم الانتخابية وإثبات حججهم الدامغة المحنكة بقوة الأدلة والبراهين وطرائق وأساليب الإقناع.

ألم يتساءل أحدهم يوماً أن المرشح العاجز الذي لا يستطيع أن يوضح خططه للمجتمع المؤسسي الذي يستهدفه ولا يستطيع أن يشرح أفكاره وفلسفته التي يتبناها للتطوير والتغيير، كيف له أن يرأس مُؤسساتها وكيف لمثله أن ينهض بها ويصنع لها قيمةً وميزةً تنافسيةً أمام أقرانها؟ أو لم يروا مِن حولِهم كيف تُدار الانتخابات وكيف نجحت في تحقيق أهدافها وتطوير مؤسساتها؟ أو لم يروا بأن انتخاباتنا لم تأتِ بالجديد ولم تبارح مكانها؟ أفلا يتدبرون في ذلك ويتفكرون أم على قلوبٍ أقفالها!

إنَّ نجاح العملية الانتخابية التي تمر بها رياضتنا خلال هذه الفترة الحرجة والتي يُنتظر منها الكثير، مرتَهن بأن يتخلص المجتمع الرياضي والناخبون والمرشحون وكل من يعنيه شأن الرياضة في سلطنتنا العزيزة من الشكليات والعاطفة، وإعادة النَّظر فيها والتعاطي معها وفق النماذج الانتخابية الناجحة التي يشهد لها العالم والتي آتت أكلها سريعًا.

وكما جاء الإلزام لبعض المقاعد الانتخابية مؤخرًا، يجب أيضاً أن يلزم وأن يجبر المرشحون في الإفصاح عن تفاصيل خططهم الانتخابية إلزاماً مؤسسياً منظماً، ودعوتهم لمناظرة منافسيهم أمام الناخبين وأمام المجتمع الرياضي، بدلاً من التَّغني بالسير الذاتية المزركشة والملونة التي تجملت بالصور والابتسامات، والتي ذكر في بعضها كل شيء ولم يبقَ سوى أن تتضمن ذكر المشاركات في حفلات الأعراس والأعياد وغيرها.

فهل ستشهد الانتخابات في الأيام القليلة القادمة نقلة نوعية تسير بها من الجمود والتقليد إلى التحرر والتجديد، وهل سيكون لمقالي هذا استجابة من المرشحين وشجاعة في دعوة منافسيهم للمناظرة المنتظرة!!

أُعللُ النفسَ بالآمالِ أَرقُبها.

تعليق عبر الفيس بوك