فاطمة الحارثية
في عزم مهيب، غشى حضوره المكان، واثق الخطى، بارد المُحيا، ويداه ثابتتين على عالمه المغلق، أول ما نطق به كان سؤالا!، طبيعتنا الإنسانية لا تستطيع أن تُدرك بواطن الأمور ومتغيرات البشر الداخلية، وفي الغالب نلجأ إلى أن نؤمن بما نرغبه نحن، ونقتنع بما نريده متجاهلين الحقيقة، كلنا يقينا نعلم الحقيقة، وأيضًا كلنا نحدد ما نبديه وما نخفيه، كل حسب أجندته الخاصة.
- لا شيء يحصل بدون موافقتي (بصوت متعال)
- أكيد (ردَّ عليه صوت مرتعش)
كنت الأقرب إلى نظره، ولاحظ أنني لم أردد مع الأصوات الخانعة التي ارتفعت من حولي، لم أدرك أنَّ صمت الدهشة كان له تحديًا، واستفزازًا، تقدم زحام من اكتسب بعض الشجاعة، وبقيت أتراجع، وأغيب عن عينيه الجامدتين، بعد حينٍ أتى إليَّ أحدهم ناصحًا:
- فاطمة، لماذا لا تستخدمين معارفك؟ هذا كثير عليك ولا يُحتمل (صوت قلق).
- ظهر على وجهي نصف ابتسامة وصمت.
في مراحل الطفولة كانت لنا حاجات مُعينة، فكانت تدابير اللقاء مع من يفي بتلك الحاجات، ثم تعاقبت المراحل واختلفت الحاجات، فمثلاً في مراحل الدراسة التقينا بمن ينفعنا في تلك الفترة مثل أصدقاء المراحل الأولى والثانية وهكذا، لنجد أن لكل فترة وتغيير رفقاء مختلفين لتلك المتغيرات حسب الحاجات، وإن بقي البعض صاحبًا وخليلاً لفترة طويلة، لكنه أيضًا يتغير ليحصل التوافق أو يختفي فترة ثم يعود؛ تأمل تلك المتغيرات والتجديد والتأثير الفعلي لها، وكيف صنعت وصقلت شخصياتنا، ووجودنا وظروفنا، فنحن لسنا أشجار لنلتزم ونبقى في ذات التربة والمكان من أجل أن ننمو.
ما هي الأجندة الخاصة؟ وهل جميعنا نحمل أجندة خاصة لهذه الحياة؟ وقبل كل شيء هل تستطيع أن تمضي فيها، والأهم هل أنت قادر على ما كلفت نفسك به؟ قد تكون الأجندة بسيطة للبعض، وقد تكون مُعقدة لدى البعض الآخر، لكن بإدراك منِّا أو رفض أو اعتراض الجميع لديه أجندة خاصة. كم مرة مرَّ عليك صوت متهكم في طياته جملة تشبه "أنت عاجز دون مساعدتي"؟ دعونا لا ننكر أي حال، فالنكران والرفض لا يُعالج المسائل، وعلاقاتنا مع الآخر ليست مسؤولية فردية؛ لأن الطرفين لهما دور متساو وحقوق متساوية أيضًا، فدع الجدل وفرض العواطف ومحاولة التحكم، وأعطي الطرف الآخر مجالًا وحقه، لتبقى تلك العلاقة إذا كانت مهمة لك، أو أرحل مع شروطك؛ البعض منِّا لا يقف عند حدود التأثير، فيسعى باجتهاد من أجل فرض بصمة تتجاوز الحدود، وتمنع الطرف الآخر قُدرة الأخذ بزمام أموره، ويربط أجندته الخاصة به مكبلًا ومهيمنًا وصاغرًا؛ أوليس الكثير ممن حولنا يموج في هذا الطريق؟!
أصبحت الهيمنة على الآخر ومحاولة السيطرة على نمط حياته أكثر تعقيدًا في الحياة، حتى العلم تطور في هذا المجال، وصاغ خوارزميات "غسيل المخ"، الكثيرون يقومون بذلك ليصنعوا سلمًا يصعدون عليه لتحقيق أجندتهم، يرون بعقولهم المحدودة أنَّه لن ينجح أو يُحقق ما يصبون إليه ما لم يُخنع ويُحجم الآخرين من حوله، فهو لا يمتلك أجنحة ليصعد إلى علياء يراه الجميع، بالتالي لابد أن يركِع الجميع حتى تبرز هامته ويُرى. القليل جدًا من يعلم أنَّ الحياة مكسب مشترك، وأنَّ الإنسان ناقص لا يستطيع أن يكون بدون الآخر، وصالح الآخر هو صالحه، وبقاؤه يحافظ على سلامة العيش فالمصير مُشترك، والتعاون أمر حتمي لمواجهة أبسط أنواع حاجات الوجود، إلى أعقدها على الأرض؛ إننا معًا نُشكل أجزاء حروف الحياة، وبإسقاط أي حرف أو انحرافه لن توجد الحياة ولن نكون.
*****
سمو..
أنت تدرك أنك رسمت على صفحات أناس التقيت بهم دون ميعاد، ولأنك مازلت حيا، فأنت مازلت ترسم ابتسامة، حزنا، حبا، غضبا، قهرا، ضحكات، حنانا، حيرة، فقدا، دموعا، إلهاما، انطواءً، و....
لن ينتظرك أحدٌ، تمعن جيدًا قبل أن ترسم، لا تتشبه بضال، وعش شغفا نقيا، كي لا تسقط في براثن المقارنة فلقد كان هابيل أول شهيد للمُقارنة.