مسقط- الرؤية
التجارب الشخصية ذات أثر عميق في نفوس أصحابها أو من يسمعها، فهي تساهم في توجيههم واستفادتهم والتعلم من أخطائهم، وستسلط الأسطر القادمة الضوء على تجربة ذات تأثير كبير في نفس صاحبها وكيف غيرت حاله بعد أن كان يُعاني الأمرّين إلى شخص ناجح في حياته.
وعند اللقاء بأحد "المتعافين" من أثر المخدرات كان الظن بأن نجد شخصاً محبطاً تكسرت مجاديفه بإعصار المخدرات، إلا أن حيويته ونشاطه ومواجهته للصعاب بكل عزم وإصرار، جعلته يستطيع النهوض مرة أخرى ولم يترك ماضيه الأسود يسيطر عليه.
وتحدث المتعافي قائلاً: "كانت بدايتي في تعاطي المواد المخدرة بتدخين مخدر "الحشيش" كنت في سن الخامسة عشرة، وكغيري ممن تعاطو المخدرت فإن الوصول لهذه المرحلة يسبقه تجربة تدخين السجائر وشرب الكحول". ويرى المتعافي أن مرحلة الطفولة التي مر بها كان لها دور كبير في تكوين شخصيته، قائلا: "عانيتُ من التفكك الأسري، فقبل وصولي لسن الثانية عشرة تعرضت للعديد من الإساءات والتنمر بسبب وضعي الأسري؛ فأمي كانت تقضي عقوبتها في السجن وعائلتي مشتتة وأصحابي كانوا رفقاء سوء، وبعد وفاة والدي وأنا في سن الرابعة عشرة زاد الوضع سوءًا، فبدأت بالتدخين وشرب الكحول وبعدها تعاطي المخدرات إلى أن وصلت إلى سن التاسعة عشرة؛ حيث أقلعت عن تعاطي المخدرات بعد عدة محاولات وذلك بعد إحساسي بالمسؤولية وزيادة الاعتماد عليّ، فبدأت في العمل وتكوين حياة أسرية جديدة وقد تزوجت ورزقني الله بطفلين، بعدها بست سنوات عدت إلى تعاطي المواد المخدرة بسبب صدمة عاطفية وتدرجت في استخدام مختلف أنواع المخدرات إلى أن أدمنت عليها وأصحبت في وضع سيء جداً".
ومضى المتعافي يقول: "عند وصولي إلى سن 35 عامًا، تم ضبطي في قضية تعاطي مخدرات، وفي السجن التقيت ببعض أصدقاء الطفولة الذين كانوا سبباً في انحرافي ورأيت كيف كانت حالتهم سيئة ووضعهم مُزرٍ، وهذا الموقف جعلني أراجع نفسي وأفيق من غيبوبتي لأخرج من المستنقع الذي انغمست فيه ودمر حياتي".
وأضاف: "بعد ضبطي في قضية التعاطي، تمت إحالتي إلى مستشفى المسرة لمدة 47 يوماً تلقيت خلالها الرعاية الصحية والنفسية اللازمة للإقلاع عن تعاطي المخدرات، ولله الحمد كانت رحلة العلاج ناجحة، علماً بأنه سبق وأن نومت في المستشفى أكثر من مرة لكن لم أكن أكمل العلاج، غير أنني هذه المرة كنت جاداً في ذلك، وبعد انتهاء فترة العلاج في مستشفى المسرة تمت إحالتي إلى مركز بيوت التعافي والذي مكثت فيه لمدة ثمانية أشهر خضعت خلالها لبرنامج "أسلوب حياة" بمتابعة وإشراف من مرشدين وإخصائيين اجتماعيين ونفسيين".
ويدين المتعافي بالفضل في الإقلاع عن تعاطي المخدرات إلى أحد أفراد أسرته، الذي سانده كثيراً خلال فترة العلاج، كما أشاد بدور الجهات الحكومية المعنية بمكافحة المخدرات في علاجه وتأهيله للاندماج مع المجتمع. وقال: "لا أنسى وقوف جهة عملي معي؛ حيث قاموا بصرف رواتب 10 أشهر أثناء خضوعي لبرنامج العلاج، وبعد الانتهاء من العلاج رجعت إلى عملي في نفس الشركة، وأصبحت فرداً مُنتجاً وتدرجت في عملي وحصلت على عدة ترقيات، وأنا الآن، ولله الحمد، أكمل دراسة البكالوريوس في علم النفس".
وبعد التَّعافي، يؤكد أن حياته تغيرت بشكل كامل، قائلاً: "علاقتي مع خالقي- والتي كنت أفقدها- هي الآن بوصلتي وموجهي، كما تحسنت علاقتي مع مَن حولي، وخاصة أبنائي الذين أصبحوا أقرب الناس إلي وأحرص على تربيتهم أحسن تربية، وكذلك علاقتي مع المجتمع والاحترام المتبادل بيننا وتفهمهم للمرحلة التي مررت بها".
ويختتم المتعافي حديثه بإسداء النصحية، قائلاً: "أوجه نصيحتي بشكل خاص إلى أولياء الأمور، فالأسرة هي الأساس، والتنشئة الصالحة في بيئة أسرية متفاهمة ومترابطة تجنب الأبناء الانحراف ورفقة أصحاب السوء، وبعد ذلك يأتي دور المدرسة والمجتمع بشكل عام، ورسالتي لمن يتعاطى المخدرات، لا تستمر في ذلك فحتماً نهايتك ستكون سجون ومصحات وموت، أوصل صوتك إلى أهلك أو الجهات المعنية إذا كنت تتعرض للإساءة أو الاستغلال أو الابتزاز، لا تجعل خوفك أو الوضع السيئ الذي تعيش فيه يجرك معه إلى مستنقع مظلم، فالأفضل أن تواجه تحديك الآن قبل أن تدمر حياتك، واسمح للآخرين بمساعدتك، فمواجهتك لهذا الأمر وحدك صعبة جداً، كما أن شرطة عمان السلطانية ومن خلال تجارب العديد من المدمنين معها والذين طلبوا المساعدة على الرقم 1444 لا تألو جهداً في مساعدة المتعاطين والمدمنين وإنقاذهم دون عقوبة وبكل سرية تامة".
