التشريعات لحماية المجتمع

 

المختار بن سليمان الشعيلي

 

الحقائق العلمية المُتأتية من وراء المُخدرات والمُؤثرات العقلية لا يُمكن أن تمر دون ذكر للحقائق القانونية المتعلقة بالمخدرات والمؤثرات العقلية والجرائم الناشئة عنها، وحيث إن اليوم العالمي لمكافحة المخدرات والمُؤثرات العقلية يأتي هذا العام بشعار "مشاركة الحقائق عن المخدرات لإنقاذ الأرواح"؛ وجب علينا كمُشتغلين بالقانون مشاركة الحقائق والمعلومات التي من الممكن أن تكون جديرة بالمعرفة من قبل جميع الناس.

القانون جاء بالعديد من النصوص القانونية التي توفر الحماية الكافية للمجتمع، وفي الوقت ذاته جاءت النصوص ذاتها لتحكم وتدين جميع الأفعال التي من المُمكن أن تصدر من مرتكبي هذه الجرائم، ومن أبرز الأمثلة على هذه النصوص ما جاء في المادة (47) من قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية حين نصَّت على "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسمائة ريال ولا تزيد على ثلاثة آلاف ريال كل من استورد أو اشترى أو أنتج أو صنع أو حاز أو أحرز مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية من تلك المدرجة في الجداول أرقام (١، ٢، ٣، ٤) من المجموعة الأولى والجدول رقم (١) من المجموعة الثانية أو زرع أو حاز أو أحرز أو اشترى نباتًا من النباتات المدرجة في الجدول رقم (٥) من المجموعة الأولى الملحقة بهذا القانون أو أي جزء من أجزائه في أي طور من أطوار نموه أو بذوره وكان ذلك بقصد التعاطي أو الاستعمال الشخصي في غير الأحوال المرخص بها قانونًا، وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات وبغرامة لا تزيد على خمسة آلاف ريال إذا كان ذلك بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي وفى غير الأحوال المرخص بها قانونًا" فقد أدانت هذه المادة الأفعال التي نصت عليها والتي تصدر من غير قصد للاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي وفي غير الأحوال المرخص لها قانوناً، وتسمى هذه الجريمة في فقه القانون بجريمة الحيازة المجردة للمخدرات.

إنَّ النص على مثل هذه الجريمة ضمن نصوص القانون المتعلقة بجرائم المخدرات لدليل واضح على الاحتراز الشديد والحذر الكبير من مثل هذه الجرائم التي يمكن أن تصدر من قبل مجرمي المخدرات؛ إذ إنَّ المحور الأساسي الذي ظهرت منه هذه الجريمة هو المخدر ذات نفسه، حيث إنَّ المشرع العُماني وكغيره من المشرعين جاء ليحتاط لمجتمعه من أي فعل من الممكن أن يصدر أو يحصل من وراء هذه المادة الخبيثة، ولما كان القانون الجزائي يستهدف بنصوصه تحقيق غايات تختلف عما تستهدفه فروع القانون الأخرى، فإنه من المنطقي أن يحدد مدلولاً مختلفاً لبعض المصطلحات القانونية، عما يقصد به في الفروع الأخرى؛ حيث تقتضي ذلك المصالح الاجتماعية التي يراها جديرة بالحماية، كذلك الشأن في تحديد قانون الجزاء لمفهوم الحيازة؛ إذ يقرر لها مدلولاً يختلف عما يقرره القانون الذي ولدت في ظله وهو القانون المدني.

وكذلك الشأن في قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، فالحيازة التي يحميها قانون الجزاء تتطلب لتحققها أن يكون سلطان المتهم مبسوطاً على المخدر أو المؤثر العقلي ولو أحرزه شخص غيره، وكذلك الأمر بالنسبة للحيازة المجردة، فهي لا تعدو أن تكون مثل الحيازة بقصد الاتجار أو التعاطي من حيث المفهوم العام لهذه الجرائم، غير أنها تختلف قليلاً في بعض الأمور.

إنَّ التعريف الاصطلاحي الأنسب لهذه الجريمة الواردة بالمادة آنفة الذكر هو "بسط سلطان المتهم على المخدر لغاية غير محددة في غير الحالات المرخص لها قانوناً"، وما يختلف في هذه الجريمة عن غيرها من جرائم الحيازة هو القصد الجنائي الخاص، فهنا لا يوجد قصد خاص مثل الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي.

ونرى أنَّ مسألة وجود هذه الجريمة في خضم قانون مكافحة المخدرات هو أمر مهم للغاية، وذلك لتفادي أي عملية يمكن أن تنفذ عن يد العدالة بحيازة المخدرات وتكون خارجة عن قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي، ويتصور ذلك في عدد من الحالات، منها أن يحوز المرء هذه المخدرات من أجل دسها في شراب أحدهم أو طعامه، فيُؤذيه أو يجعله يُدمن فيجره إلى شراء المخدر منه، ومن أجل كل هذه الأسباب لجأ المشرع إلى وضع مادة جامعة لأي حالة قد ترد في المستقبل، وذلك لتجنب النقص التشريعي في القانون، وقد يكون سبب وجود هذه المادة هو الواقع العملي الذي صادف المشرعين ولجأوا إلى وضع هذه المادة، وهناك رأي يرى أنَّ هذه الجريمة هي الأصل في جرائم المخدرات، وما سواها من جرائم الحيازة التي يتوفر فيها القصد الخاص هي تشديد من المشرع، ونرى أن هذه المعلومات من أهم ما يمكن لنا مشاركته مع جميع أفراد المجتمع لتجنب أي فعل من الممكن أن يوقع الغير في مساءلة قانونية غير محسوب لها وكل عام وجميع الخلق بخير بمُناسبة هذه المناسبة الطيبة.

تعليق عبر الفيس بوك