الوباء والحلم

 

فاطمة الحارثية

تعددت أسباب انتشار الأمراض وتطورها إلى وباء عبر التاريخ، لكنها أجمعت على النتائج وهي فقد الإنسان لحياته وهناء عيشه وسلام وطنه، وسقوط أنظمة وانهيار دول، وبزوغ حِقب جديدة، فهل نحن في غشاوة استيعاب تلك الدورة الطبيعية، أم أنها مقاومة ما بعد الصدمة ورفض لتلك للمتغيرات المنهكة؟ في هذا الوقت ونحن نطرق أبواب تسجيل أربعة ملايين وفاة حول العالم، إن لم يكن أكثر بكثير، إذا ما تم حساب من لم يتم تسجيلهم رسميًا، نشهد تصدع الاقتصاد العالمي والإقليمي والمحلي، وبدء صراع المقارنة بين السقوط في براثن الوباء أو الموت جوعًا يتصدر قائمة القلق الإنساني.

رسم التاريخ طيوف الأوبئة ونهمها المستمر لتجارة الإنسان واستقراره الحضاري، فصنعت المجاعات وأظهرت هشاشة الأخلاق والمبادئ الإنسانية، ومكنت الخوف وعززت الغرائز البدائية، ليخرج الوباء بالإنسان خالي الوفاض، حتى لنكاد نجزم أن في كل مرة تخرج الحياة من رحم الأوبئة منهكة خدجة، تجاهد بما بقي من قوة لإعادة تشكيل نفسها، وصياغة مفاهيم النجاة والقيم الإنسانية، قال لنا التاريخ إن في كل دورة وباء سنجد أنفسنا محاصرين بقيد صراع البقاء، وسوف تأتي بمن خرج من حبائل الأوبئة صاغرا، تائها، متألما، حائرا في ساعيا للبدء من جديد وهو مثخن بجراح القلب والفقد؛ فهل من مدرك؟ إننا لا نتحدث عن نظم اللجان التي اعتدنا عليها لحل كل أزماتنا، بل نتحدث عن مستشرفين، عن عقول حكيمة لها أن تصنع محاكاة بسيناريوهات منطقية، مدركين ماهية حاجات اليوم، التي تشكل الغد والقادم بكل تحدياته وقسوته وحزمه بدون تقليد، فكر يقود سفينة النجاة بمرونة، غير متكبر، وحازم أمام دهاء الرياح مهما بلغ طول المسير إلى ميناء السلام، لنخرج من ثخن الأزمات ونحن نعلم إلى أين.

أن نكون من مصاف الدول ليس حلمًا، بل نموًا طبيعيًا لمن أراد أن يستمر وجوده على هذه الأرض، ويحقق خلافته التي خلق لها؛ ثمة الكثير من الخطط، والواقع غير المستقر يحكم آلية تنفيذها، والأزمات تضع تحديات في توفير الظروف الموائمة، لبلوغ طلائع المسار الذي تم الاعتقاد أن من خلاله سيحدث الرجاء، بيد أن الاعتماد على المعتاد لا يصنع جديدا، هو فقط يغير وجه العملة، صدقا ليحدثني أحدكم عن إبداع حقيقي، ولا تقولوا لي أن الإنسان استهلك كل الأفكار الموجودة على الأرض فعليًا، بالتالي لا يمكن أن يُبدع، بل له أن يستحدث المُستهلك بلون آخر أي يغير وجه العملة فقط؛ هل حاولنا حقيقة أن نخرج من دائرة ما تطبعنا به وروينا عقولنا منه منذ نعومة فهمنا؟ إنها الدائرة ذاتها، ويحاربك الجميع إذا ما تجرأت على لمس قيودها، ناهيك عن كسر تلك القيود والخروج من الجمود، في الواقع تلك الممانعة ليست خوفًا من الإخلال بتوازن الوجود، ربما هي حرص على مصالح الهيمنة.

سمو...

ليس عسيراً على أحد أن يكون ذا شأن على هذه الأرض، لكن وجودنا ليس حكرًا على الأرض فقط، بل امتدادنا يصل للسماوات والكون، فاحكوا لي أين وصلتم، ومدى طموحكم.