رئيس لجنة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بـ"الغرفة" يطرح رؤية جديدة لتنمية القطاع

دراسة: المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المحرك الرئيسي لتوفير فرص العمل.. والتمويل والمنافسة غير العادلة من أبرز التحديات

...
...
...
...
...
...
...
...
...

الرؤية- خاص

 

أبرزت دراسة متخصصة أهمية قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ووضعها الراهن، وأبرز العراقيل والتحديات التي تقف في طريق نموها وتطورها، إضافة إلى عرض حزمة من المُقترحات والحلول التي من شأنها أن تُسهم في تعزيز الإنتاجية الاقتصادية لهذه المؤسسات وتفعيل دورها في دفع عجلة الاقتصاد والقضاء على البطالة وتحقيق سياسة التنويع الاقتصادي للمضي قدماً في تحقيق رؤية "عُمان 2040".

وأعد الدراسة إبراهيم بن عبدالله الحوسني رئيس لجنة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بغرفة تجارة وصناعة عُمان، ويشغل أيضًا منصب الرئيس التنفيذي لشركة أريس العالمية.

وقال الحوسني- في الدراسة التي حصلت عليها "الرؤية"- إن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في مختلف أنحاء العالم تمثل نسبة كبيرة من إجمالي الشركات، وتتراوح مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي بين 35% إلى 45% وتوفر تقريباً من 40% إلى 70% من إجمالي فرص العمل عالميا. وأضاف أنه لهذا السبب تعد هذه الفئة من الشركات المصدر الرئيسي لفرص التوظيف والمحرك الأهم للصادرات والمحفز الأساسي على الإبداع والابتكار والاستدامة.

 

وأوضح أنَّه من هذا المنطلق أولى حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- اهتمامًا كبيرًا بتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ودعمها من أجل النهوض بالاقتصاد الوطني ودفع عجلة التنمية، مشيرا إلى أن رؤية "عُمان 2040" تستهدف تمكين هذه المؤسسات وتعزيز ثقافة ريادة الأعمال، بما يجعل هذه المؤسسات أحد روافد وأعمدة الاقتصاد مستقبلا.

 

"عمان 2040"

وأكد الحوسني أن السياسة الاقتصادية في رؤية "عمان 2040" تعمل على تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة التي تستهدف تحسين معيشة المواطن، باعتباره الأداة والغاية من التنمية، علاوة على فتح آفاق جديدة للاقتصاد في المجالات كافةً، عبر استراتيجية التنويع الاقتصادي وعدم الاعتماد على النَّفط والغاز كمصدر وحيد للدخل القومي.

وأكد الحوسني أنَّ للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة دور كبير في تطوير وتنمية الاقتصاد، لافتاً إلى تضافر جهود الجهات والهيئات المعنية بتوفير تصنيف وتعريف مناسب لهذه المؤسسات؛ حيث صُنفت هذه المؤسسات وفقاً لعدد العاملين فيها وإجمالي الإيرادات السنوية.

وذكر أنه رغم الجهود الحثيثة للحكومة والجهات المعنية في التخفيف عن كاهل رواد الأعمال وأصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة، لا يجب أن ننكر أنَّ المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تعاني الآن من انتكاسة حقيقية وتحدٍ كبير، خاصة في ظل الأزمات والصعوبات المتتالية، بدءًا من أزمة انخفاض أسعار النفط مرورا بآثار جائحة كوفيد-19 على الاقتصاد العالمي والمحلي على حد سواء، وما زال شبح الإفلاس يطارد قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

ويرى الحوسني أن هذه المؤسسات ستستغرق وقتاً للدخول في مرحلة التعافي من الآثار الناجمة عن جائحة كورونا، لافتاً إلى أنه رغم أن الكثير من هذه الشركات تعاني- وما زالت- من وضع حرج إلا أنها تجد الدعم اللازم والحلول من الجهات الحكومية والخاصة. وأشار في هذا الصدد إلى إقرار المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان المعظم- أيده الله- لخطة التحفيز الاقتصادي بمحاورها الخمسة، والتي تمثل نقلة نوعية في مرحلة تعافي هذه المؤسسات من الأزمة الراهنة وتقدمها إلى الأمام.

وأوضح الحوسني أنه لا يجب أن يقتصر دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على المفهوم المادي أو الاقتصادي، لكن يجب أن يتم التركيز على البيئة العامة والتسهيلات اللازمة ووضوح الإجراءات، لتفادي هدر الموارد المادية بشكل أو آخر. ويرى الحوسني أن من بين التحديات الحاجة إلى تصريح لمبنى تجاري أو مكاتب قبل التقدم للحصول على التراخيص أو تصاريح العمالة الأجنبية، مما يؤدي إلى إثقال كاهل الشركة بتكلفة مالية باهظة قبل أن تبدأ العمل.

استدامة الخطط

ويدعو الحوسني في هذا الإطار إلى أهمية ضمان الفعالية والاستدامة عند تصميم خطط وطنية لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، من خلال إيلاء اعتبارات دقيقة لتمويلها، وإدارتها، وتمكينها وتقييمها. ويقترح كذلك توفير بيئة عمل تكاملية، ابتكارية، تقنية لتهيئة بيئة العمل المؤسسي لممارسة ريادة الأعمال، وإنشاء حاضنات متخصصة تدعمها الشركات الكبرى وذلك لنقل المعرفة الإدارية والتجارية والمالية وتمكين الشركات بطريقة احترافية، مع تفعيل وتمكين الحاضنات الحالية بحيث تكون تخصصية ويتم عن طريقها احتضان رواد الأعمال وذلك للتمكين والتسريع.

ويرى الحوسني أهمية إنشاء مناطق صناعية صغيرة ومُهيئة بالكامل بجميع الخدمات من قبل الحكومة أو القطاع الخاص، لتكون مناطق امتياز للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتقديم خفض 50% من تعرفة الكهرباء والمياه والغاز للقطاعات الصناعية والقطاعات الأكثر حيوية التي يعتمد عليها الاقتصاد.

وتتضمن المقترحات كذلك إعطاء منحة مالية تقدر بـ10000 ريال عماني كرأس مال عامل لإقامة وإدارة المشاريع الصغيرة، وذلك بضوابط وأحكام تسري على المستفيدين، وإسناد العمل لشركة تخصصية لإدارة هذه المشاريع والتي تتناسب مع الخطة الخمسية، أومنح 5% من قيمة دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع كمساهمة حكومية.

ويقترح الحوسني كذلك إنشاء أسواق قطاعية من قبل الحكومة أو القطاع الخاص، مع توفير ميزات خاصة للمستثمر مثلا السوق التقليدي وسوق الصناعات التحويلية وسوق المنتوجات الزراعية، وسوق العسل العماني، وسوق السعفيات والتحف والمشغولات اليدوية، وسوق الحلوى العمانية والعديد من التخصصات الأخرى، كما يمكن إقامة هذه الأسواق افتراضيًا.

ويدعو الحوسني إلى ضمان تكافؤ الفرص أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة للحصول على منافسة عادلة في سوق العمل، مع تقليل دور القطاع العام كمنافس في الاقتصاد، عبر تخصيص الشركات الحكومية.

ويأمل الحوسني سن قانون شامل تندرج تحته الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة، على أن يعمل هذا القانون على وضع لوائح تسهّل وتبسّط القوانين والتشريعات للشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة، منها على سبيل المثال أنه بمجرد تسجيل الشركة الصغيرة أو المتوسطة في وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، يتم تسجيلها تلقائيًا في مجلس المناقصات، وهيئة الضرائب، ووزارة العمل، والهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية، إلخ.

وقال إنِّه فيما يتعلق بمسألة طلب ترخيص مكتب، يمكن للسلطات بدلاً من ذلك إصدار ترخيص مُؤقت لمدة ستة أشهر؛ حيث يمكن ذلك الشركة من العمل والعثور على الموقع المناسب وتوظيف العاملين قبل التقدم للحصول على الترخيص الدائم، فمثلاً شركات التجارة الإلكترونية لا يجب أن تُطالب بتسجيل مكتب. ويقترح الحوسني لتوفير الاستقرار للمستثمر، أن يتم منح الإقامات للمستثمر الأجنبي مثل الإقامة الذهبية ذات الامتيازات، فضلاً عن عدم إصدار قرارات مُفاجئة من شأنها أن تجعل المستثمر قلقًا أو مترددًا في الدخول لسوق العمل.

ويأمل الحوسني أيضاً إنشاء مركز موحد لإنهاء جميع المعاملات والإجراءات الحكومية، مع اعتماد نهج التحول الرقمي في هذا المجال.

المسؤولية الاجتماعية

ويقترح الحوسني إنشاء صندوق متخصص للمسؤولية الاجتماعية بحيث تقوم الشركات الكبرى بالمساهمة في هذا الصندوق، بهدف دعم رواد الأعمال في عملية التدريب والتأهيل والأمان الوظيفي والاستثمار في بعض الشركات الواعدة، مع وجود حزم من الدعم الاستشاري والقانوني والتجاري والإداري للوصول إلى الأسواق الخارجية. ويحث كذلك على أهمية دعم المنتجات الوطنية من خلال تعزيز وعي المجتمع بالمنتج المحلي وإتاحة الفرصة للترويج لهذه المنتجات.

ومن بين المقترحات كذلك التي يطرحها الحوسني في هذه الدراسة: استبدال الرسوم الحكومية بضريبة أرباح للوصول إلى الاستقرار المالي وتقليل الأعباء على الشركات لتحقيق الاستقرار والاستدامة، وتشجيع البنوك على تمويل المشاريع مع المساهمة بحصة في الشركة مع سلاسة في الإجراءات، وخلق أدوات تمويلة متعددة مع تخفيف القيود المفروضة على التمويل حسب مختلف القطاعات، وخفض الرسوم والضرائب لمدة ثلاث سنوات من تاريخ التشغيل الفعلي للمؤسسة، وما بعد الثلاث سنوات الأولى يتم تحصيل 50% من الضرائب والرسوم لمدة لا تتجاوز 5 سنوات من تاريخ التشغيل الفعلي أو إعفاء كلي للشركات الواعدة التي تعتمد عليها رؤية "عُمان 2040".

وشدد الحوسني على أنَّ لثقافة ريادة الأعمال دور كبير في تكوين وتعزيز الشركات الصغيرة والمتوسطة، لكنه يرى أن الكثير من رواد الأعمال يفتقرون إلى القدرات الريادية والثقافة الريادية اللازمة للتطور والصمود في بيئة العمل. ويذكر أنَّ أحد العوامل الأساسية في هذا، عدم وجود برامج وندوات تعليمية وتثقيفية في مجال ريادة الأعمال وخاصة في الجامعات والمدارس. ويقترح في هذا السياق: حسن توجيه الإنفاق العام على التعليم والبنية الأساسية لبناء رأس المال البشري وتعزيز القدرة التنافسية والإنتاجية، وكذلك إنشاء ودعم برامج تركز على تنمية ريادة الأعمال وتعزيز قدرات الشركات الصغيرة والمتوسطة بحيث تساعد في بناء عقليات ومهارات لدى رائد الأعمال للوصول إلى عوامل الإنتاجية عالية الجودة والإنفاق الفعَّال في التعليم والتكنولوجيا.

وأبرز الحوسني في دراسته أهمية التقنية الحديثة والذكاء الصناعي ودورها في تطور المجتمعات والشركات، مشيرا إلى أن توظيف التقنيات الحديثة يمثل وسيلة مهمة لرفع مستوى التنافسية في أي منظومة اقتصادية. وأوضح أن الابتكار أصبح أحد العناصر الأساسية في المشاريع والمنتجات، لذا يجب التركيز على استغلال التقنية الحديثة والابتكار والذكاء الاصطناعي في دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتنمية المهارات وتعزيز الخبرات في هذا المجال لإحداث نقلة نوعية في مختلف القطاعات وعلى رأسها قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

ويدعو الحوسني إلى توفير منصة إلكترونية لعرض المشاريع القطاعية وتمكين المؤسسات من الوصول إلى العقود التجارية وحمايتها من الشركات الكبرى.

ويتطرق الحوسني إلى القطاع اللوجستي، حيث يؤكد أنَّه يسهم بدور حيوي في دعم وتنشيط الحركة الاقتصادية؛ إذ إنَّ تكلفة النقل وسرعته تؤدي دوراً أساسياً في سعر المنتج والإنتاجية، فكلما ازدهر وتطور القطاع اللوجستي كلما انتعشت بقية القطاعات، ومن بينها الشركات الصغيرة والمتوسطة، خاصة التي تعتمد على الاستيراد والتصدير كمصدر أساسي لها.

القطاع اللوجستي

ويرى الحوسني أهمية إنشاء منصة إلكترونية تربط جميع الناقلين بطالبي الخدمة مع تسجيل جميع المركبات في السلطنة ليتم إدارتها عن طريق المنظومة، مع تسهيل وتبسيط إصدار الموافقات إلكترونيا، وتسهيل عملية الشحن والنقل والتأمين والتخزين بطريقة سهلة، وزيادة إمكانيات تفريغ الحاويات وإنهاء جميع السلع في فترة لا تتعدى 24 ساعة.

ويتطرق الحوسني أيضاً إلى قضية العمالة غير العمانية، ويؤكد أنها تسهم بدور كبير وحقيقي في السوق المحلي، لكن ينبغي أن يكون هذا الإسهام في إطار القوانين والأنظمة وبالحد المعقول ودون التحايل على التشريعات والقوانين من خلال التجارة المستترة. وأكد أن التجارة المستترة تمثل مشكلة حقيقية سواء على صعيد الأفراد أو المجتمع أو المؤسسات، وتشكل تحدياً كبيرًا في وجه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

ويشير الحوسني إلى أن أحد أبرز العوائق أمام توظيف العمالة الوطنية، عدم توافر الكادر المؤهل في بعض التخصصات الصناعية والتجارية، إلى جانب عامل اللغة، حيث إن كثيرا من الشباب العماني يواجهون تحدي امتلاك مهارات لغوية كبيرة، خاصة للغة الإنجليزية، فضلاً عن وجود فجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل. وأشار الحوسني إلى النظرة المجتمعية لبعض المهن، ونظرة الشباب العماني لبعض الأعمال، وهنا يدعو إلى التوعية بأنَّه لا ضير من خوض الشاب لمختلف مجالات العمل لحين الحصول على الفرصة المناسبة.

ويشدد الحوسني على أهمية التعمين وفوائده على الفرد والمجتمع، وقال إنَّ المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تعاني في بعض الأحيان بسبب نسبة التعمين المفروضة عليها، ولذا يجب مراعاة هذه المؤسسات حتى تستطيع أن تكون فعالة وتوفر فرص عمل أكثر للشباب. ودعا في هذا السياق إلى إعادة تعريف مصطلح التعمين، وفتح العمل الجزئي لتمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتسجيل عقود العمل بالوزارة ويستثني رائد العمل من دفع الاشتركات الشهرية للتأمينات الاجتماعية، ويسمح لأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بتوظيف طلبة الكليات والجامعات بشكل جزئي مع مراعاة السن القانوني وصرف علاوة شهرية.

وعرج الحوسني في دراسته إلى "القيمة المحلية المضافة"، وذكر أن هناك طرقاً كثيرة لدعم القيمة المحلية المضافة والعمل على تطوير سوق العمل والكوادر البشرية المحلية. وقال: "إنه رغم كل الجهود ما زالت هناك حلقة مفقودة في هذا المجال ويجب العمل أيضاً على تعزيز هذا المبدأ ودعمه وتمكينه من قبل الحكومة أولاً والشركات الخاصة والكبرى لتطوير الشركات والمحلية ودعم المنتج المحلي".

تعليق عبر الفيس بوك