خيانة الذاكرة

 

تقوى محمد الجراح

 

"خانتني الذاكرة"، هل الذاكرة تخون حقًا؟ في الابتدائي كُنا حريصين كثيرًا على الالتزام بحل واجباتنا حتى نرتفع منزلة في أعين معلماتنا، إذا نسينا حل أحدها أسودت وجوهنا كأننا قمنا بجريمة شنيعة المجني عليه فيها هو مستوانا، أما المحامي كان يحضر على الفور مُدافعًا: معلمتي أعتذر، خانتني الذاكرة ونسيت حل الواجب! عجيب أمرنا كيف كنا نلقي التهمة على ذاكرتنا التي دائمًا ما استنكرت هذا الفعل، فهي تدعي أنها لا تخون أبدا!

هنا تتقمص المعلمة دور القاضي لتُعاقبنا بإعادة كتابة الواجب خمس مرات وربما أكثر، مُذكِّرة إيانا بعدم نسيان حَلِّه ثانية، (أه من هذه الذاكرة الضعيفة… سئمت من نسياني المُتكرر..) وغيرها الكثير من العبارات التي كانت تتلقاها المتهمة على جريمتها المزعومة، وقبل أن تَعُمَّ الفوضى أرجاء المحكمة يصيح القاضي: هدوء، رفعت الجلسة….

وللأسف تبقى الذاكرة حزينة لا تستطيع دفع التهمات عنها؛ لأنه ما من أحد ينصت لها، فَالذاكرة لا تخون تلك التفاصيل المبهجة، ولا تخون عزيزًا دفن تحت التراب، هي لا تنسى من احتواها وحفظ الوِدّ.

لعلها تستثني البعض، لكنه ليس نكرانًا للجميل، ولا إحباطًا متعمدًا منها، إنما هو ثقل زائد حملته وحاولت الاستمرار في حمْله أطول مدة لكن الإنسان قد لا يكون رحيمًا معها، وأظن أنه أحيانا يتغاضى عما شاء من الأمور لأسباب متفاوتة، وهذا كافٍ.

لذلك حكمت المحكمة في نهاية الجلسة على براءة المتهمة، ودعت لاستخدام أوراق الملاحظات ليتسنى للذاكرة أخذ قسط من الراحة.

تعليق عبر الفيس بوك