خالد بن سعد الشنفري
لست هنا بصدد إضافة على القراءة التي أعدها أستاذنا الكبير المُكرم حاتم الطائي ذي الكرم الحاتمي في الأخذ بأيدي كل من يتوخى فيه الموهبة من شبابنا وشاباتنا.
حلّل وأصّل وبشّر مشكورًا في مقالة أدبية له نُشرت بجريدة الرؤية، تحت عنوان "تاءات نسائية جديدة تتمرد إبداعيًا لتُعيد إلى حياتنا الأمل"، مُسلطًا الضوء على الأقلام الناعمة الصاعدة الثلاثة: الطليعة الشحرية، وسعيدة البرعمية، ووداد الإسطنبولي.
ووصف الطائي بعين الناقد الخطوط العريضة لمسارات هذه الأقلام؛ الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو).. مسافة التوتر، وسردها الدرامي لشخصياتها التي تعيش "عوالم مُرعبة".. متطرفة في مواجهة قدرها المحتوم، بمثالية عالية، ولغة رصينة، وسلاسة مشوقة.
أما سعيدة البرعمية.. تمرد وفقد.. فهي أشبه بثورة ناعمة؛ لانتزاع اعتراف الوجود وإقرار بالحضور، والحق في تقرير المصير الإبداعي.
أما وداد الإسطنبولية.. وداد الحياة، فتكتب بصوت مسموع، تُشعر وأنت في حضرة كتاباتها وكأنها تصرخ لإيصال رسالة ما من رحم تجربة ذاتية واعية.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن، لماذا وبعد خمسين عامًا من نهضتنا المباركة، ورفع شعار "سنعلم أبناءنا ولو تحت ظل شجرة"، تظهر هذه الأقلام الثلاثة منذ شهور قليلة فقط ومن صلالة بالذات، رقعة واحدة من عُمان، ويأتي ظهورهن دفعة واحدة؟!
لا شيء يأتي من فراغ، والإبداع لا يأتي بالصدفة حتى مع وجود الموهبة، قد تُشكل القراءة خزينا معرفيا وزادا للكاتب، إلا أنها لوحدها أيضًا لا تصنع مُبدعا، تولد الموهبة مع الشخص فإذا لم تُصقل تُضمر وقد تتلاشى أو تراوح مكانها.
إن نهضتنا المباركة منذ بزوغها بقيادة بانيها الراحل السُّلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- تهدف في الأساس لنهضة الإنسان والعُمران معًا، ومن الطبيعي أن يُسبق بناء العُمران بناء الإنسان، فلا طالب بدون مدرسة، ولا تشافي بدون مستشفى، ولن يُبدع من لم يتوافر له مسكن وحياة هانئة مريحة، إلا أنَّ الشاهد في الأمر أننا لابُد أن نعترف بأننا بعد خمسين عامًا من انطلاق النهضة المباركة لم تكن صناعة المواهب والمبدعين تكافئ الطموح والتطلعات.
لقد كنَّا نحن جيل السبعينيات والثمانينيات جيلًا بلا أساتذة بجدارة، فلم نولد إبداعات أدبية أو فكرية أو فنية، رغم إحساس البعض منِّا بمواهبه وحبه وشغفه بالقراءة والاطلاع، فجرعات المدارس النظامية- إن وجدت- في هذا النشاط لاتُخرج مبدعًا، وظلت الساحة الأدبية- للأسف- على هذا المنوال، إلا من رحم الله، ممن توافرت لديه الموهبة، وحظي بشغف وحب القراءة سلاح ورصيد المُبدع؛ لينتج فكرًا أو أدبًا أو فنًا، وشق بذلك طرق هنا وهناك باجتهادات شخصية محدودة.
الحقيقة أنَّ التاءات النسائية الثلاث اللائي نحن بصددهن قد يسر الله لهن بعض الأساتذة من الكاتبات من صلالة، ممن شققن طريقهن وصقلن الموهبة، وأبدعن وأصبح لهن كتابات أدبية، وهذا لايتأتى إلا لقلة وندرة من الأشخاص، ودفعتهن هذه المُعاناة التي مررن بها للأخذ بأيدي من توسمن فيهن الموهبة من الجيل الذي تلاهن، ومن هؤلاء أذكر على سبيل المثال الأستاذة عائشة السريحية، والأستاذة ثمنة الجندل، والأستاذة إشراق النهدية، وغيرهن، فقد أقمن الورش التدريبية بمعاونة بعض الكاتبات العربيات المُقيمات بصلالة كالأستاذة رحمة البحيرية والأستاذة جلنار والأستاذ نصر سامي وغيرهم.. فانشئت الورش التدريبية؛ مثل: ورشة أساسيات القصة القصيرة، وورشة أبجديات القلم، ونون النسوة، ومجلس إشراقات الأدبي، ومن هذه الورش برزت الكاتبات الجُدُد، والقادم يُبشر بأقمار ونجوم أُخريات.
سبق لي أن كتبتُ مقالًا عن مجلس "إشراقات ثقافية" الذى ظهر مع بدايات جائحة كورونا، وأصبحت له إسهامات واضحة، وتجاوز النطاق المحلي إلى الخليجي، وأبعد من ذلك، وكل ذلك بجهود شخصية ذاتية من المؤسسين، ولم يحظوا بأيِّ دعم رسمي حكومي، عدا التبرع بمقر لإقامة النشاط أو ما شابه ذلك، مما لا يُسمن ولا يغني من جوع، كما لم يحصلوا على دعم خاص من الشركات الكبيرة العديدة في محافظة ظفار رغم طرقهم للأبواب لكن لا حياة لمن تنادى!
اليوم وبعد هذه المخرجات المُبشرة بالخير التي أخذت تُثري فراغات فضاءاتنا في هذا الجانب المُهم جدًا من حياة أي مجتمع وشعب، نتوقع منهن الكثير، والقادم القريب الذي سيلتحق بهم من خريجي هذه الورش والمجالس الثقافية ليستدعي وقفة جادة معهم، ودعمهم وعدم اكتفاء المؤسسات الرسمية لتوفير مقرات لإقامة النشاط وخلافه، بل وأن تعدل الشركات في توزيع المبالغ المخصصة في موازناتها للمساهمات المجتمعية، فهل هناك ما يستحق نصيباً منها أهم من النشاط الثقافي الأدبي والفكري؟!