الدُعاءُ دواءُ البَلاء

أنيسة الهوتية

قال تعالى في سورة المُلك: "الذي خَلقَ المَوتَ والحَياةَ لَيبلوكُم أيُكُم أَحسنُ عَملا وَهُوَ العَزيزُ الغَفورُ"، وخِتام الآية باسمين من أسماء اللهِ الحُسنى "العَزيز" و"الغَفور" فيه دَلالةٌ عظيمة لايستشعرها إلا المتمعنون في الآيات القرآنية.

والابتلاءُ جَوهرهُ الضَرَّاء، وكذلك جَوهرُ البَلاء، والبَلاءُ أعمُ وأشمل. ولاَ يَردُّ  البَلاءُ إلا الدُعاء، وكما وصَفَ السَلفُ الصَالحُ رَدَ الدُعاءِ للبلاء بأن البلاءَ يَكونُ نازِلاً من السماءِ بأمرِ الله تعالى والدُعاءُ يَكون صاعداً إليها، وبين السماءِ والأرضِ يلتقيانِ فيتصارعان حتى يغلبَ أحدهُما الآخر، وهكذا يكون الحال بينهما إلى يوم القيامة.

والبلاءُ يشمل سائر خلق الله، ولكنه يختلف بأسبابه ومُسبباته مثل الموت، إلا أنَّ الموت حَقٌ وَليسَ بلاءٌ أو ابتلاء. ولنزول البلاءِ أسبابٌ مُتعددة وحِكمٌ كثيرة، ولا ندخل في حِكمها إنما نتوسع في سببٍ مِن أسبابها وهو الدعاءَ! فهل تخيلت يوماً أن الدعاءَ الذي يرد البلاءَ مِن الممكن أن يتسبب به؟! نعم، حينَ يَكونُ الدُعاءُ مِن المظلومِ فينزل البلاءُ على الظالِم. وإن عَمَّ البلاءُ أبرياء فإنَّ اللهَ عَزوَجلَ ينظرُ إليهم نظرة رحمة ويؤجرهم على صبرهم والبلاء، أما دُونَ ذلك فهو عقابٌ للظالمين.

فَدُعاءُ نَبينا لُوط عليه السلام: (قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ)، كان كفيلاً أن ينزل الله عليهم صيحةً من السماء قلبت عاليهم سافلهم، وغرقت قريتهم وتحولت إلى خرابٍ ودمار دونَ أن تُبقيِ منهم أحداً.

ونبينا نوحٌ عليه السلام قضى في بناء السفينة ودعوة قومه 950 سنة، إلى أن فَلتَ منه صبره: (وَقالَ نُوحٌ رَبِ لَا تَذر عَلى الأرضِ مِن الكافرين ديارا* إنكَ أن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرًا كفارًا)، (فدعا ربهُ أني مَغلوبٌ فانتصر). فاستجاب اللهُ لهُ وطهر الأرضَ تطهيراً بالطوفان، والطوفان غضبٌ من الله تعالى على المفسدين، وقال تعالى: "إن يشأ يُذهِبكم ويأتي بخلقٍ جديد* وما ذلِكَ على اللهِ بِعَزيز".

ولله في خَلقهِ شُؤون، وتِلك الأمثلة تُثبتُ لَنا أن الأرضَ إذا زادَ فيها الفسادُ والمُفسدون فإنَّ الله سيطهرها من نجاستهم كَيفما يشاء، وقال سبحانه: (فأرسلنا عَليهُمُ الطُوفان والجَرادَ والقُمل والضفادعَ والدَمَ آياتٍ مُفصلاتٍ فاستكبروا وكانوا قَوماً مُجرمين). والطوفانُ ليسَ فقط كثرة الأمطار المغرقة والمتلفة للزرع، بل هو أيضاً كثرة الموت.

وقَد مَرَ على البشريةِ كَثرةُ الموتُ المُزاحِمِ مَع الطاعون الأسود الذي قتل نصف سُكان الكرة الأرضية حينَ انتشر في أوروبا مثل النار في الهشيم عام 1347م وانتهى في بدايات خمسينيات القرن الرابع عشر، وعِندما نَنظرُ إلى أحداث هذه الأعوام قبل هدوء الطاعون، سنرى أن العالم كان يُعاني من الحروب الوحشية منها المعارك العُثمانية للدولة المتوسعة جِداً، وحرب المئة عام بين إنجلترا وفرنسا، وَحربُ الصِين الأهلية ضد الأسرة الحاكمة "اليوان"، وفي اليابان حركة كاماكورا، وثم تبعتها الحرب الأهلية موروماتشي بين إمبراطوري الشمال والجنوب، وطبعاً كل تلك الأحداث يستحيل أن لايكون فيها بريئاً زهقت روحه، وأغتصب عرضه.

والأنفلونزا الأسبانية عام 1918 التي قتلت 100 مليون شخص، جاءت إبان الحرب العالمية الأولى، أو الحرب العظمى كما يسميها البعض. والإيدز الذي ظهر بداية الثمانينات، الثمانينات الجنونية التي انتشرت فيها دور الدعارة الرسمية بمُسيات حماية عجيبة حول العالم في الدول المتطورة، والمخدرات، والكحول، وسرقة الفتيات والصبيان وبيعهم بأثمانٍ بخسة للتجارة بهم أو بأعضائهم، والمافيات المختلفة لمختلف المصالح!

والآن، كورونا أو كوفيد-19 وإن كانت مؤامرة إلا أنها أصبحت مثل كيد الظالم الذي رُدَ إلى نحره. وَفي عصر السرعة المختلط بالظلم وكُل أنواع الفساد المسمى بالحرية الشخصية. لم يبقَ للمؤمن غير الإيمان والدعاء لرد البلاء.