هل نحن دولة فقيرة؟!!

 

مسعود الحمداني

هناك حيث نعيش، يعيش مواطنان نقيضان، مُواطن ثريّ تنعّم- وما زال- في خيرات هذا الوطن، وأخذ معه حقوقه وحقوق غيره، متغنيًّا بالوطنية، ونافخًا في بوق الوطن، وفي المُقابل هناك مواطن آخر لم يلقَ غير الفتات، ولم يحصد غير الريح، سعى وتعب وشقي، حتى بانت نواجذه، وابتل قميصه بعرق الأرض، لكنه لم يحصد نفس ما جنى أخوه في الوطن؛ الأول أخذ كل شيء، والآخر أعطى كل شيء، الأول له الحظوة، والوجاهة، وتُفتح له الأبواب، وتُسهل له الأمور، ويُمنح لقب "مواطن مهم VIP" في أجنحة المستشفيات، والآخر له أجر ما عمل.

مواطنان يعيشان على نفس الأرض، يتمتعان بجنسية واحدة، ومواطَنة واحدة، وحقوق واحدة، وواجبات واحدة، في بلد حباها الله- كما نقرأ في الكتب- بثروات طبيعية وجغرافية واسعة، وموقع جغرافي فريد، وتاريخ عريق ضارب في القدم، وخبرات سياسية تراكمية عبر السنين، وشواطئ لا مثيل لها، ومُواقع سياحية ساحرة، وتراث مادي ومعنوي زاخر، ورغم كل ذلك إلا أنها تعيش أزمة اقتصادية ومعيشية وإدارية عميقة.. فهل نحن دولة فقيرة في الموارد أم في العقول؟ أم أنَّ لدينا أزمة في إدارة الموارد التي لم نحسن استثمارها وتسييرها حتى وجدنا أنفسنا في وضع صعب لا نُحسد عليه؟

كان الحل الأبسط والأصعب في آنٍ معًا التَّضحية بالمواطن البسيط، والموظف المُتفاني، وفرض الضرائب، وتصدير قرارات تزيد وضع المواطن والوطن صعوبة وقسوة، فبينما تمَّ استثناء الولاة- وفئات أخرى غير نادرة- من قانون التقاعد المبكر، جرى السيف على الكفاءات المهمة، والخبرات المتراكمة، والأكاديميين الذين تنتظر منهم البلاد الكثير، وفُرّغت بعض المؤسسات من إدارات عُليا ومتوسطة ذات خبرة وكفاءة وطاقة عمل قادرة على العطاء لسنوات قادمة، وجاءت بعض القرارات الصادمة مثل الحد الأدنى للأجور، وقانون التقاعد، وقانون الأراضي، ولعل قانون العمل كان على وشك الصدور، لولا التريّث من بعض الحكماء، لتزيد من إحباط المواطن، وتضغط على كاهله أكثر مما يحتمل.

وأصبح كل شيء مُعلّقاً على رؤية "عمان 2040"؛ وهي رؤية طموحة وذات أبعاد واسعة، ويعيش العمانيون جميعًا على أملها، على الأقل لمن سيهبه الله العمر ليراها واقعاً ملموساً بحول الله. ولكن حتى يحين ذلك الزمن، أليس من حق المُواطن (الحالي) التنعّم بخيرات وبشائر هذه الرؤية وتلمّس ملامحها واستشراف مقدماتها؟ نعم، هناك أحاديث وتصريحات كثيرة عن عُمان ما بعد الرؤية، ولكن هناك القليل من الحديث عن عُمان ما قبل الوصول للرؤية، ولعل استثمار واستغلال كل مكوّن ومصدر دخل وثروة طبيعية وطنية أصبح أمراً عاجلاً، لا يمكن تأجيله، ولابُد من إعادة منظومة التشريعات الاستثمارية، وتبسيط الإجراءات، وجذب رؤوس الأموال دون تباطؤ أو تلكؤ؛ لأنَّ ذلك هو الخيار الاستراتيجي الفعلي كي ينعم المواطن بمقدرات وطنه، ومكتسبات بلاده، وأعتقد أن مفهوم "المخزون الاستراتيجي" للوطن لا يكمن في الموارد وحسب؛ بل كذلك من خلال الاستثمار في الإنسان.

إنَّ جزءًا من الوضع يعود سببه إلى بطء وبيروقراطية اتخاذ القرار الصحيح في الوقت المُناسب، وتأجيل المشروعات الحيوية حتى زادت كلفتها، وتضاعفت فاتورتها، إضافة إلى مجموعة شركات حكومية لم يتم تصفيتها حين ظهر عجزها وفشلها؛ بل تُركت لتزيد من أعباء الاقتصاد الوطني، إلى جانب ثروات طبيعية أُهدرت واستُغلت من أصحاب النفوذ حتى كادت تنضب، في وقت كان الوطن يعاني من الأزمات المالية، وغير ذلك من أسباب لا أظنها غائبة عن المسؤولين المخلصين الذين لم يستغلوا مناصبهم للإثراء الشخصي، ولم تطاوعهم وطنيتهم وضمائرهم على مد يدهم لاستغلال مناصبهم في هدر المال العام، والتعدي على لقمة عيش المواطن البسيط؛ أخوهم في الوطن.

وطننا ليس فقيرًا في الموارد، ولا في العقول، ولا في الإدارة، لكننا بحاجة إلى وضع الرجل المُناسب في المكان المناسب، وعدم تدوير "مسؤولي الفشل" على المؤسسات، فمثل هؤلاء لم يعد لهم مكان في الإدارة؛ بل أصبحوا عبئًا على المناصب، في وقت عصيب يحتاج من كل مسؤول أقصى درجات التركيز والابتكار، وإيجاد الفرص لاستثمار موارد الدولة بعيدًا عن التصريحات الرنانة والمُستفزة، وعلى جميع المسؤولين البدء- من اللحظة- والعمل بروح الفريق الواحد، والتركيز على هدف واحد مُحدد، وهو: "رفاهية وإسعاد المواطن بكل طريقة مُمكنة"؛ وذلك هو المضمون النهائي لرؤية "عُمان 2040" الذي يسعى إليه الجميع.