غياب التمثيل الفكري والثقافي

 

نسيبة المكتومية

غالبًا ما تتصدر المشاهد والحِراكات المدنية أيا كانت أجندتها أو ممثليها أو أنماطها شريحة نخبوية كبيرة من المثقفين والكُتاب والصحفيين والفنانين والحقوقيين والنشطاء، وكل من يعد أيقونة اجتماعية أو ثقافية للمجتمع ذاته، واستطيع القول إن التمثيل القيادي الذي يلعبه هؤلاء يُعد أحد الأعراف البشرية عند الشعوب، ومن البديهيات التي من المفترض أن تحدث بتلقائية طبيعية وفي مسار نمطي واضح.

فكل ممن ذكرنا سلفا كوّن هويته ومحتوى ما يعرضه وجمهوره ومتابعيه من المجتمع الحاضن له، فلا قيمه ولا أهمية لما يقدِم- مهما بلغت القيمة الإبداعية- لأي آداب أو فنون بمجرد انفساخها من جمهورها، وهنا ما أحاول أن أقوله أن المتجمعات هي التي تصنع قيمه لمثقفيها وما يعرضونه  لجمهورهم، فكما يُقال دائمًا إن الجمهور هم رأس المال الحقيقي لكل محتوى إبداعي يُقدم بمختلف القوالب والأطر المُتعارف عليها أو المستحدثة؛ لذا صار واجبًا على هؤلاء جميعا أو حتى فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن البعض الآخر، تمثيل الشارع وتوصيل صوته وهواجسه تحت أي ظرف كان، أما وأن نجد أن جميع هؤلاء يغردون في وادٍ- إذا صح التعبير- وشوارعهم في سياق آخر كالمغيبين أو المسحورين فهنا وجب الوقوف والنظر لهذا الفعل كظاهرة تستحق التأمل والدراسة.

وبالرجوع أيام قليلة لما حدث في الشارع معنا كعُمانيين، وخروج الشباب مُطالبين بحقوقهم، ولستُ هنا لأقيم وأُصنف ما إذا كانت حقوقهم مشروعه أم لا رغم أني أمثل جيلي ولا اتنصل من قضية الباحثين عن عمل، واعتبرها قضيتي الشخصية كوني مررت بثلاث سنوات من حياتي مصنفة كباحثة عن عمل، فليس هذا ما أناقشه في هذه السطور، وإنما استغرابي الشديد من التجاهل المقصود أو غير المقصود لهذا الحراك المدني من قبل واجهة المجتمع الثقافية والاجتماعية، على عكس ما حدث في 2011. فذاكرتنا الجمعية ما زالت تذكر انخراط كثير من الكُتاب والصحفيين والنشطاء الحقوقيين والمثقفين والاجتماعيين في الشارع ومحاولتهم بشتى الطرق تغليب الصواب، وتقويم الشارع لعدم الانجرار لمناحي لا تُحمد عُقباها، وقد تحمل كثير منهم ما ترتب على هذه المواقف من تبعاتها كالملاحقات القانونية وغيرها.

من جانب آخر، سعى كثير منهم إلى توثيق المرحلة عبر استخدامها كمحتوى مرحلي لكثير من الآداب والفنون، فتابعنا التدوين والرسائل والخطابة والصور الفوتوغرافية واللوحات التشكيلية وغيرها من القوالب الأدبية والفنية والتي أذكر منها على سبيل الذكر لا  الحصر كتاب "عُمان الإنسان والسُّلطة: قراءة مُمهدة لفهم المشهد السياسي العُماني المعاصر" لمؤلفه سعيد بن سلطان الهاشمي، وأيضًا رسائل "ياسمين على الغياب" لنفس الكاتب وغيرها، وبالعودة إلى المقارنة بين الحراكين والفاصل الزمني بينهما والذي لا يتجاوز 10 سنوات، وهي مدة قصيرة في عمر الشعوب، فنرى حتى من حاول مجاراة الشارع على استحياء، وكأن الوضع فيه لبس وانزلاق لا يُريد أن يوصم به مستقبلًا، فتُرك الأمر كله لمنصات التواصل الاجتماعي والتي تُهيمن عليها ظاهرة الشعبوية، فتابعنا جميعا كيف عبر الناس بمختلف مستوياتهم التعليمية عن أنفسهم عبر هذه القنوات، محاولين تشكيل ضغط وتوصيل رسائلهم ومطالبهم- وربما بعد يأسٍ منهم- أن لا صوت لهم غيرها، فلاحظنا تدفق آلاف التغريدات عبر تويتر مُحققين "ترند" لخمسة أيام متتالية؛ ليصل الأمر ليحصلوا على دعم في النشر من الأشقاء الخليجيين عبر "هاشتاجات" أيضًا حققت "ترند"، والمتابع يستطيع أن يُلاحظ بأن كان هناك حراكين، الأول في الشارع وتحت شمسٍ حارقة ، والأخر عبر تويتر بالتوازي.

فالسؤال الذي يطرح نفسه الآن.. وبعد مضي الحراك على خير.. هل 10 سنين بين الحراكيْن كانت كفيلة بـ"التدجين"؟ أم هذا يقودنا إلى مؤشرات تُشير لتراجع ثقافي وفكري مصاحبة للتراجع الاقتصادي؟

تعليق عبر الفيس بوك