جيل الثمانينيَّات

 

وليد بن سيف الزيدي

يُقال إنَّ اللغة الإنجليزية هي لغة العالم؛ وذلك كونها اللغة التي أصبح عدد من دول العالم يعتمد عليها في مجالات عديدة مثل: التعليم والطب والتقانة. وما يدل على أهميتها وضع اختبارات عالمية تقيس مدى امتلاك الفرد لمهارات اللغة الإنجليزية، وتُعتبر تلك الاختبارات في بعض جامعات دول العالم ومنها الجامعات العربية شرط أساسي من شروط القبول والانتساب لتلك الجامعات؛ وذلك بحكم أن تلك التخصصات في تلك الجامعات تُدرَّس باللغة الإنجليزية. ومن تلك الاختبارات اختبار الآيلتس البريطاني والتوفل الأمريكي.

إنَّ هذا الأمر يقودُنا إلى عدة أفكار؛ الفكرة الأولى تدور حول مدى دقة ما يُقال بيننا في الحياة العامة. فمثلًا: أيهما أكثر دقة أن نقول: إنَّ اللغة الإنجليزية هي لغة العالم، أم أن نقول: إنَّ العطور هي لغة العالم؟ بمعنى آخر أن العبارة الثانية تُخبرنا بأنَّ الجميع يستطيع فهم العطور والتمييز بينها مع اختلاف جنسياتهم، وفي المُقابل ليس الجميع يستطيع فهم اللغة الإنجليزية والتعامل معها؛ بل أحيانًا البعض يتعمد ألا يتحدث إليك عند محادثته باللغة الإنجليزية بقصد تمسكه بلغته واعتزازه بها كما هو الحال عند الإيطاليين والألمان مثلًا. فكيف نقول إن اللغة الإنجليزية هي لغة العالم، وفي الحقيقة أن البعض من دول العالم التي تعتمد عليها كلغة رسمية؟! فالقصد هنا أن نكون دقيقين في ما نقول في الحياة العامة.

الفكرة الثانية: لماذا نحن المجتمعات العربية لا نكون من ضمن الدول التي تعتز بلغتها العربية بشكل عملي وليس شكلي وخصوصًا أن لغتنا العربية هي لغة القرآن الكريم، وهي بذلك تكتسب قوتها وأهميتها من بين لغات العالم؟

وحيث يمكن تحقيق ذلك، فعلى سبيل المثال قيام الجامعات العربية بالتدريس باللغة العربية لعدد من العلوم مثل: علوم الطب والهندسة والأنظمة والبرامج الحاسوبية بعد ترجمتها. وبذلك تكون هذه الجامعات قد ساهمت في رفع مكانة اللغة العربية، وساعدت كذلك على الفهم الدقيق والعميق لتلك العلوم من خلال الاعتماد على اللغة الأصل في تعلمها، كما تكون بذلك اختصرت على الشباب العربي الوقت والجهد والمال الذي يُبذل من خلال التقدم لاختبارات تحديد المستوى، والقبول في بعض الجامعات بهدف الانتساب إليها. وحيث من المعلوم أن الكثير من الأموال العربية تنفق وعلى مدار العام وبشكل متكرر من الفرد الواحد في سبيل اجتياز الاختبارات العالمية (مثل: الآيلتس والتوفل) والتي تخضع في النهاية لإدارة أمريكية وبريطانية.

إنَّ هذه الفكرة المبنية على تعلم العلوم والمهارات والتقنيات باللغة العربية بعد ترجمتها تدعم اقتصاد المعرفة في المجتمعات العربية، حيث تقوم هذه الفكرة على أساس إكساب المتعلمين العديد من المهارات والمعارف بشكل عميق من خلال تعلمها باللغة الأصل مما يُساهم ولو بالقليل في الزمن القريب القادم على إيجاد فرص عمل مواكبة للتطورات الحديثة في العالم، ومرتبطة بتلك العلوم والمهارات التي سبقتنا إليها الشعوب الأخرى.

هنا أطرح عدة تساؤلات من واقع عملي من باب تعزيز هذا الكلام: متى ظهر علم المعلومات الجغرافية أو نظم المعلومات الجغرافية؟ وأين ظهر لأول مرة؟ ومتى وصلنا نحن كدول عربية؟ ولماذا لا يُترجم إلى اللغة العربية ويدرس باللغة العربية في الجامعات العربية؟ ثم نرى، ما النتائج المُترتبة على ذلك من حيث عمق وتمكن الفهم حول تلك العلوم؟

ويمكن أن تضيف أخي العزيز أمثلة أخرى!

الفكرة الثالثة لا يعني هذا الكلام الذي طرح في الفكرتين الأولى والثانية أن نهمل أو نقلل من تطوير مهاراتنا في اللغة الإنجليزية؛ وذلك بحكم أن واقع اليوم أصبح يتطلب منِّا أن نملك شيئاً من تلك المهارات في اللغة الإنجليزية؛ حتى نستطيع أن ننجز ما يمكن إنجازه في مُعاملاتنا التجارية والعلاجية والتعليمية والسياحية.

إنَّ هذه الفكرة تدور حول جيل الثمانينيَّات ولربما الجيل الذي قبله أو بعده، حيث من الملاحظ أن عددًا ليس بالقليل من ذلك الجيل لا يمتلك المهارات الجيدة في التعامل مع اللغة الإنجليزية، الأمر الذي ترتب عليه بعض الصعوبات التي فرضتها المتغيرات العالمية المتسارعة في الوقت الحاضر، وما يتطلبه واقع اليوم أيضًا والذي يجعل من الضروري الإلمام ببعض مهارات اللغة الإنجليزية التي نحتاجها في المطار أو السوق أو السفر من أجل العلاج أو السياحة أو التعليم.

فما الأسباب التي جعلت العدد الأكبر من ذلك الجيل لا يملك تلك المهارات بشكل جيد؟

قد تكون الأسباب عديدة، منها على سبيل المثال طريقة التدريس المتبعة أو لغة المعلم أو دافعية المتعلم، أو الوضع المادي أو الاجتماعي للمتعلم أو الواقع في تلك الفترة الزمنية من حيث عدم توفر الإنترنت والأجهزة والبرامج والتطبيقات الإلكترونية في مجتمعات ذلك الجيل مقارنة باليوم.

وحيث يمكن أن تكون من الأسباب الرئيسية في تلك المرحلة التي مضت أن اللغة الإنجليزية لم تُعطَ حقها الكافي في النظام التعليمي من حيث الزمن سواءً في المراحل الدراسية أو الجدول المدرسي. والخطأ الأكبر أنها كانت تدرس باللغة العربية في غالبية المدارس الحكومية في تلك الفترة.

 فكيف تدرس لغة بلغة أخرى؟!

إنَّ هذا التساؤل الأخير يجب ألا يُغفل في قادم الوقت من قِبل المُعلم والمتعلم وولي الأمر أثناء عمليات الغرس والتمكين للمعارف والمهارات في أذهان الأجيال القادمة والتي سيكون لها شأن كبير بإذن الله في عمليات البناء للوطن العزيز عُمان وفي باقي الأوطان العربية.

تعليق عبر الفيس بوك