خريجات الفنون الجميلة

 

أنيسة الهوتية

عندما نتحدَّث عن ملف الباحثين عن عمل، فنحنُ نتحدَّث عن فئات وتصنيفات عديدة، وخلال السطور التالية أُسلط الضوء على فئة حاملي بكالوريوس الفنون الجميلة من الإناث، نعم بالأخص الإناث؛ لأنهن لم يحصلن على دورهن في التأهيل منذ أكثر من 7 سنوات مضت!

البداية كانت في وقف التأهيل لخريجي هذا التخصص في السلطنة، ثم امتد الوقف أو بالأحرى رفض قبول التأهيل من الدول المجاورة، وفي الأعوام القليلة الماضية تمَّ فتح التأهيل للذكور فقط وليس للإناث، ويا لغرابة الأمر!!

إذاً ما مُستقبل خريجات تخصص الفنون الجميلة؟ وعندما تكون هناك وظائف شاغرة فإنَّ خريجات الإدارة والموارد البشرية، والمحاسبة، وغيرهن يحصلن على الأولوية للتوظيف بحكم تقارب التخصص الدراسي للوظيفة المطروحة أما تخصص الفنون الجميلة فهو آخر ما يتم قبوله! أو لا ولم ولن يتم قبوله حسب ما قاله أحد مسؤولي إحدى الشركات المتقدمة بتلك الشهادة لوظيفة منسقة: ماذا ستفعلين لنا أو تضيفين للشركة بشهادتك؟ سترسمين فراشات وزهور على جدران المكتب؟ أو لوحات للموظفين؟ وهذا الجواب بحد ذاته استهزاء وتحقير لهذا التخصص الذي لازال موجوداً معنا بالسلطنة من ضمن التخصصات الدراسية ولازال يتم قبول الدارسين والدارسات فيه! من وجهة نظر المنطق، إن كان المستقبل العملي والمهني لهذا التخصص مقفولاً بابه فعلى الجهات المسؤولة والمعنية إيقاف الفنون الجميلة والتدريس بها وعدم تضييع عمر الدارسين فيها للوصول إلى اللاشيء!

وبالأخص للإناث اللواتي ينتظرن وظيفة أو تأهيلا للعمل بوظيفة مدرسة رسم، أو معلمة فنون! وبجانب العمر المهدور هناك مالٌ مهدور خاصة للأشخاص الذين درسوا على حسابهم الخاص وشهادة البكالوريوس من الكلية العلمية للتصميم كلفت ذويهم ما لايقل عن ثلاثة عشر ألف ريال عُماني إذا لم يزِد! ومثل هذا التخصص هناك تخصصات أخرى يتم تهميش الأنثى فيها أو تهميش الخريجين كافة، ولا نعلم لماذا يتم قبول التدريس به إن كان بلا مُستقبل!

ومن وجهة نظري الشخصية، أن احتكار التأهيل لخريجي الفنون الجميلة دون الخريجات ليس قراراً صائباً؛ لأنَّ كِلا الجِنسين يستطيعان العمل بوظيفة مدرس أو مدرسة رسم للصفوف الإبتدائية والتمهيدي والروضة، وعلى ذكر الأخيرين فإنَّ الخريجين والخريجات لا يحتاجون إلى تأهيل ما دامت لديهم الخبرة في التعامل مع الأطفال! وَجِهة التوظيف تستطيع الحكم عليهم من خلال مقابلات العمل.

الفنون الجميلة فنونٌ مميزة ممتعة للنظر والبصر والفنان بها إنسانٌ حساسٌ عبقري في الرسم والنحت وغيرها من أنواع الفن البصري الذي يجمع بين الجمال الشكلي والعملي وفيها تفرعات غير الرسم والنحت تصل إلى الهندسة والزخرفة المعمارية وغيرها الكثير.. وتاريخها يعود إلى ما قبل التاريخ فالمنحوتات التي وجدت ولازالت باقية في المتاحف العالمية تعود إلى مئات الآلاف من السنين قبل الميلاد، وكذلك العديد من اللوحات المرسومة على جدران الكهوف التاريخية، والتي تطورت بشكل تدريجي مع الحضارات الإغريقية، الرومانية، البيزنطية، الفارسية، ومنها خرجت مدارس كثيرة لاتعد وتحصى مثل الواقعية، الفنسية، التكعيبية، التعبيرية، المجازية...إلخ ومن أقسامها غير البصرية فنون الحركة، وفنون السكون، والفنون الشعبية. ويكاد يكون الشكر للفنون الجميلة بإبقاء الحضارات السابقة حيَّة في تاريخنا من خلال التماثيل، والمنحوتات، واللوحات، وهي المفتاح للرموز الذائقية الفنية ولولاها لما كانت هناك متاحف، وجماليات وديكورات وكل مشتقاتها من الجماليات البصرية حولنا.. كل هذا النور الجمالي البصري المتحور إلى ألوان قوس قزح من الفنون الجميلة! وتهميشها يقتل اللطافة في الكون! خاصة وإن كانت اللطافة من اللطافة فإنِّها ستكون أجمل وأكثر إبداعًا.

الفنون الجميلة هي ما سيُبقي الأثر، ويحفظ الإرث الحضاري الإنساني مؤرخاً في التاريخ.. فلا تهمشوه أبدًا!!