الفارق بين قبول الذات وتقديرها

 

رحمة بنت منصور الحارثية

إخصائية نفسية

 

تقبُّل الذات هو أن يتقبَّل الشخص جميع صفات وجوانب شخصيته الإيجابية منها والسلبية، فهل الجميع يتقبَّل نفسه؟ لا.. ليس الجميع.

تقبُل الذات ليس فطرياً أو تلقائياً، تقبُل الذات ليس صعباً، على الرغم من أنَّ الكثير من الأشخاص يُواجهون مشكلة في تقبلهم لأنفسهم في كل جوانبها. علينا كأفراد أن نتقبل أنفسنا كما هي بكل جوانبها دون شروط أو قيود.

هل من السهولة تقبل الذات بكل جوانبها المشرقة والمظلمة في آن؟ حقيقةً أن الأمر ليس سهلاً وفي الوقت نفسه ليس صعباً، فالجميع لديه من الإيجابيات والسلبيات، والكمال لله وحده المُتفرد بصفاته وسِماته العلية، والخطوة المهمة أن الجوانب السلبية فينا كبشر إن لم نتقبلها على أنها موجودة فينا وننكرها فيكف لنا أن نجتهد ونسعى لتغييرها. والتقبل غير المشروط للذات يُمثل أول خطوة يبدأ فيها الشخص بتغيير نفسه للأحسن. ومن المعروف أن الشخص يتقبل نفسه عندما تكون في أفضل حالاتها كما  في حال النجاح والفوز والفرح، لكن أن يتقبل الشخص نفسه في أصعب أحوالها كما في الفشل فهذا الأمر يصعب على الكثيرين مما لا شك فيه. الإنسان بمجرد أنه يسعى للتغيير فهي نقطة مهمة للغاية.

في البداية يدرك الشخص أنه منفصل عن أفعاله وبأنه كما لديه نقاط قوة بداخله لديه نقاط ضعف، وكلما شعر الفرد بأنَّه يمتلك صفات يعتبرها سلبية فيه أن يقر ويعترف بها بقرارة نفسه وبأنه يريد أن يصلح هذه الجوانب للأحسن، وبالإقرار سيبدأ فعلياً التغيير.

هناك فارق بين تقبل الذات وتقديرها، حيث إنَّ تقدير الذات هو علاقة الشخص مع نفسه بتقديرها وبأنها تستحق أن تحصل على شيء تُريد تحقيقه، أما تقبل الذات أن يتقبل الشخص نفسه بكل جوانبها.

ما هو الارتباط الوثيق بين تقدير الشخص لذاته وبين تقبلها؟ إذا تقبل الشخص ذاته يكون الأمر مثل القاعدة الأساسية لتقدير عالٍ ووطيد لذاته؛ لأنه سوف يعزل صفاته السلبية ويعتبرها جزءًا صغيراً من شخصيته التي سيسعى ويُقِر بتغييرها. وتنتاب بعض الأشخاص مشاعر سلبية كل ما مروا بموقفٍ ما لحد أن تقدير ذاتهم يقل بنسبة كبيرة. والحياة لا تخلو من صعاب، فالكل يمر بشتى المواقف بمجرد أن الشخص أدرك أنه ليس المبتلى الوحيد سيقل مصابه. لكن المطلوب هو أن يُهوِن على نفسه ويكن لطيفاً معها ويتصالح معها ويوجهها ويواجه مخاوفه وخطأه ولا يثقلها باللوم والإحباط ويكون إيجابيًا ويصحح مسارها ولا يحملها فوق طاقتها، وأن لا يسعى للكمال أو المستحيل.

لا بُد أن يسامح الإنسان ويعفو ويلتمس الأعذار ويكون صريحاً مع نفسه ولا يستسلم ولا يُقارن ولا ييأس ويجلد ذاته. وعدم قبول الذات بوابة لاضطرابات نفسية، فالحياة مدرسة؛ كل يوم تحمل في طياتها دروساً وتجاربَ؛ سواء أبطالها نحن كأفراد، أو آخرون نراهم أو نسمع أو نقرأ عنهم.

البعض يستفيد من التجارب التي مرَّ بها أو مرَّ بها آخرون أو العكس، وعلى الرغم من التجارب التي نخوضها أو يخوضها غيرنا، إلا أن عاملا مهماً لا يلتفت إليه الكثيرون وهو عدم قبول الذات الذي يُؤدي إلى فشل في التواصل مع الآخرين، ويكون عقبة للوصول إلى الهدف. إضافة إلى الشعور الذي ينتاب الفرد بأنه مرفوض من قبِل نفسه والآخرين ويتقوقع في مكانه.

في الحقيقة الشخص الذي لا يتقبل ذاته ويتعايش معها، لن يستطيع تقبل الآخرين والتعايش معهم، إنها قاعدة، بمعرفتها ترتاح النفس، وهي أنه لا يوجد شخص مثالي، فالكل لديه نقاط قوة وضعف، وحتى نتميز لابُد أن نُعزز نقاط القوة التي حبانا الله بها، ونقر ونعترف بنقاط الضعف التي لدينا ونُعدلها.

إنَّ تقبل الذات وتقديرها يؤدي إلى الشعور بالرضا، فالاعتراف بالنقاط السلبية يُحرر من قيود وهيمنة السلبية وينتشل الفرد من مشاعر الفشل التي تنتابه بين فينة وأخرى ويكسبه طاقة تدفعه نحو التغيير ويجعله أكثر وعياً بذاته وبالآخرين. ولابُد أن نقف وقفة صادقة مع مرآة أنفسنا يوميًا، وأن نعتبر كل يوم يمر علينا بمثابة رحلة استكشافية لمكامن أنفسنا وقاعها العميق، سيساعدنا ذلك لكي نرى الحقائق بعين الرضا وعين التصحيح. 

المشكلات من حولنا ستضمحل وأي شيء يعكر صفونا سوف يتبدَّد، أنفسنا ستكون أكثر استقراراً وسلاماً بإذن الله. وأيًا كانت الظروف التي مرَّ بها الفرد والمعوقات التي ساهمت في الإحباط، فمن الأهمية بمكان أن يترك الإنسان القلق والخوف واليأس، حتى إن حاول الفرد مرة ومرات والنتائج لم ترضه بشكل جيد، فعليه أن يبادر بالمحاولة لسبر أغوار النفس ومُقاومة ما يُعكر صفوها، حتى يزداد القبول والتقدير للذات، والهمم تعلو لتحقيق الهدف.

دمنا بتقبل عالٍ للذات، ونفوس مستقرة.

تعليق عبر الفيس بوك