ارفع سقفك

 

سعيدة البرعمية

 

وصف فريد الأطرش الحياة بأنَّها "حلوة بس نفهمها " إذا كان محقًا في وصفه؛ فحتماً لم يتحقق الشرط أو العكس. أغمضت عينيَّ واجتهدت لعمل نقطتي تجمّع ذهنية الأولى لمناقبها والأخرى لمثالبها ثم عقدت المقارنة؛ فرجحت كفة المثالب على المناقب.

 

كي نشعر بالوصف الذي يرمي إليه فريد الأطرش يجب أن نكون كالأعمى المبدع في الرسم الذهني؛ فيبدع في رسم لوحة ذهنية بطبيعة أندليسية لا يحدّها برواز، يتصورها من خلال ريشته التي يمسكها افتراضيًا.

 

ولأن أعيننا تُرينا ما لا يرسمه الأعمى، فإن الأرواح باتت منكمشة، فالشعاع الدافئ الذي يشعّ من لوحة الأعمى لا يتعداها.

 

فالحياة بمنظورين الأول يقبع داخل لوحة الأعمى وينطبق عليه وصف فريد الأطرش، والثاني يكمن في واقعها الذي انغمست فيه الأرواح وتسبب في شقائها، فقد اتخذها البعض مصائد يتصيد بها الأخطاء والفرحة معا، بالإضافة لخلق العثرات. ففيها من يتلصص باحترافية لسرقة الفرحة من قلوب الناس، وهناك من يتفنن بزرع العثرات في طريق معبد بالنجاح، وهناك من يتعمد وضع إشارة مرور حمراء للحد من وصولك.

من الطبيعي جدًا عندما يبدأ نجمك بالسطوع، في ليلة قمراء وينافس القمر، أن يحاول أحدهم إشعال المصابيح والشموع من حولك، ومن الطبيعي جدًا أن يخطف أحدهم طيفا جميلا يخطر ببالك أفصح عنه بريق عينيك، أو ابتسامة تخفيها بكلمة منه: مابك؟

فتجيب عائدًا من عالم آخر: لاشيء. وتبتسم رافعًا حاجبيك، مُطلقا تنهيدة باحثة عن طيفك المخطوف.

 

ولكن ما استنكره هو أنها تبكينا، وتشقينا، وتخلق لنا ما يحول بيننا وبين أهدافنا ثم نطرب لها نغما "الحياة حلوة بس نفهمها" هل عنادها لنا يعني أننا عاجزون عن فهمها؟ هل نحتاج مزيدًا من الدروس في المنطق والرياضيات والطب كي نفهمها؟!

هل يتوجب علينا أن نخفض سقف مطالبنا وسقف طموحاتنا كما فعل الآباء كي نفهمها؟ ولماذا يخفض المواطن سقف مطالبه في مقابل أن سقف المسؤول لا حدود له! هل فعلاً المشكلة التي يعتصم من أجلها الشباب، هي مشكلة الباحثين عن عمل وحدها، أم أنَّ هناك ما راكمته وأحدثته الحياة على كتف العُماني، الذي عانى ظلم الوزارات المتناسخة، بعامل وراثي عجيب، لم يتوصل إليه "مندل"، وظلّ على مدى الخمسين عاما،  ينشد نشيد الصبر والوفاء معاً؛ ممّا تسبب بهجرة لحن الحياة عنه.

 

 نحن من ساهم في ذلك كلّه؛ فعندما نخفض سقف مطالبنا بطريقة متوارثة منقطعة النظير، ونتسابق في التقاط العظم اليابس من الذبيحة الذي يُرمى إلينا، مثل ذلك الحيوان الوفي؛ فنحن المسؤولون عمّا وصلنا إليه، اللّوم ثم اللّوم على سقف القناعة المُرتفع لدينا، وعلى جلادة الصبر المعروفة عنّا، وعلى قناعة توارثها الأجيال، ثم على الطمع الذي أكل عقول المسؤولين.   

لقد عزّزت أغنية فريد الأطرش مرارة الحياة في نفوس الكثيرين فتداولتها ألسن الأجيال بالرغم من أنَّ حالهم يزعم العكس.

 قرأت كتاب "السر" من تأليف روندا بايرن، وهو يُعد من أفضل كتب المساعدة الذاتية، ومن أكثر الكتب مبيعاً لعام ٢٠٠٦، يتناول الكتاب قانون الجذب، وهو التفكير الإيجابي والاعتقاد به، في الحصول على نتائج رائعة في الحياة، في الصحة والمال والسعادة.

الطريف في الأمر، أن الأغنية تشترط فهم الحياة كي نحظى بحلاوتها، كذلك كتاب روندا بايرن يشترط الإيمان واليقين، بحدوث ما يرغب الشخص في حدوثه كي يتحقق، هناك حلقة وصل بينهما. وهناك حلقة مفقودة بينهما وبين مانحن فيه اليوم؛ فعندما نحدّ من آمالنا وطموحاتنا، ولا نسعى أن نفتح لها الآفاق؛ فمن الطبيعي جدًا أن تنكمش، وننكمش نحن  معها، ونبدو صغارًا داخل ثيابنا؛ فنذهب للخياط كي يقصرها لنا؛ فهناك من يقول: نرتدي أحلامًا بمقاسات لا تناسبنا فنتعثر بها، وهناك من يقول: نرتدي اليقين في ملاحقة أحلامنا لذلك لن نتوقف.

تعليق عبر الفيس بوك