عُمان والفطرة السليمة

 

علي بن حمد بن عبدالله المسلمي

aha.1970@hotmail.com

 

الفطرةُ التي جُبل عليها العُمانيون بحب الحق ونصرة المظلوم والمُهادنة والجنوح للسلم ليست وليدة الصدفة، اتبعه قادتهم العظام وأئمتهم الأخيار وعلماؤهم الأبرار وصحابتهم الكرام منذ قديم الزمان، حيث تروي لنا مصادر التاريخ لمّا قَدِم مالك بن فهم الأزدي إلى عُمان طلب من الفرس آنذاك موطأ قدم له ولقومه فانتظر بُرهةً من الزمن حتى يردوا عليه، فامتنع الفرس بعد رد قائدهم المرزبان عن إعطائه شبرًا من عُمان، وبعد أن يئس من أيّ حل سلمي معهم فُرض عليه الدخول في معركة معهم، وبعد استبسالهم في معركة (عين سلوت) وانتصر عليهم طلب الفرس الهدنة فعقد معاهدة سلمية معهم؛ إلا أنّ قائدهم دارا ابن دارا بن بهمن تنكَّر لهذه المُعاهدة فوقع صراع انتهى بهزيمة الفرس بشكل نهائي وطردهم من عُمان.

وتذكر لنا أيضًا أنّ الصحابي الجليل مازن بن غضوبة السعدي كان يعبد صنمًا يُقال له باجر فسمع صوتًا يصدر من الصنم يتكرر:

يا مازنُ اسمعْ تسر // ظهر خير وبطن شر

بُعِث نبي من مضر // بدين الله الأكبر

فأدرك بفطنته أنّ هذا الصنم لا ينفع ولا يضر فحطَّمه، فذهب إلى لقاء النبي صلى الله عليه وسلم في الحجاز، فأسلم على يديه وأدرك بفطرته ووطنيته وحبه لأهل بلده عُمان أن يطلب الدعاء لهم أولًا ثم الدعاء له، وبعد رجوعه إلى بلده حصل له بعض الجفاء فاعتزل قومه جهة ساحل البحر، وبفضل فطرته لم يضغط عليهم بالدعاء للدين الجديد فجاءه قومه لاسترضائه بأنفسهم ودخلوا في دين الله أفواجًا.

وها هما عبد وجيفر ابنا الجلندى عندما وصلهما رسول رسول الله يدعوهما إلى الإسلام وبعد حوارهما معه أدركا بالفطرة التي فطر عليها النَّاس أنَّ هذا الدين هو دين الحق فدخلا في الإسلام طواعية وأهل عُمان أفواجا في دين الله.

وها هو الإمام الصلت بن مالك الخروصي عندما استنجدت به المرأة السقطرية عندما غزا الأحباش الجزيرة وعاثوا فسادًا لبى نداء الحق وأغاث بنات الدين والحسب.

يا للرجالِ أغيثوا كل مسلمةٍ // ولو حبوتم على الأذقانٍ والرُكبِ

والإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي عندما استنجد به أهل البصرة ضد الفرس سارع إلى نجدتهم وانتصر عليهم .

والسيد سعيد بن سلطان الذي مدَّ سلطانه حتى شرق أفريقيا، ومد جسور التعاون والإخاء باتباعه سياسة عدم التدخل في شؤون الغير، وحسن الجوار أدرك بحنكته وفطرته ذلك حتى كَوّن امبراطورية عظيمة وأسطولا بحريا عظيما يُشار له بالبنان.

والسلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- رجل السلام الذي مد جسور المحبة إلى جميع أقطار العالم، فنالت عُمان في عهده الثقة والاحترام المتبادل، والنزاهة في كثير من المعضلات التي ألمّت بالعالم بفطرته السليمة التي انتهجها في سياسته.

وفي ظل الأزمة الحالية التي شهدها قطاع غزة مع الاحتلال الصهيوني، وفي ظل النهضة المتجددة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- جددت عُمان مواقفها الثابتة ممثلة في وزارة الخارجية بنصرة الشعب الفلسطيني، وحقه في تقرير مصيره وتكوين دولته المستقلة.

وها هو الشيخ الجليل العلامة أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام السلطنة- متعه الله بالصحة والعافية- يُوجه نداء للأمة عبر التغريدات التي أطلقها بنصرة القدس وأهله من المغتصبين الصهاينة واصفاً أهل القدس "بأبطال الرباط  وأهل غزة بأبطال الجهاد".

والشعب العُماني من ورائهم بفطرته السليمة كبقية الشعوب الحرة الأبية تعاطف والتحم قلبًا وقالبًا مع قضية أمته لنصرة أهل فلسطين.

فلا ضير أنّ أهل عُمان منذ قديم الزمان بفطرتهم السليمة قادة وعلماء وأفرادًا، يهبّون لنصرة الحق والمظلوم وفك كربة المظلوم لذا نقول لكل ذي لبٍ من حولنا في العالم فكوا حصار غزة رمز العزة غزة هاشم رمز العروبة وديمومتها.

تعليق عبر الفيس بوك