الطِيبة وأثرها على النفس

 

 

رحمة بنت منصور الحارثية

إخصائية نفسية

 

الطيبة هي سلامة الصدر، صفاء النفس، رقة القلب، حسن الطبع والسجية، حب الخير، الوفاء ومرآة للسلوك، فالكلمة الطيبة كالبلسم، هي جبر للخاطر، وسلوى بعد الحزن، ومُنية للنفس، تأسر المستمع ويضطر أن يرد بمثلها أو أفضل منها، وتُكسب المودة، وتُحرك كوامن الخير.

النفس جُبِلت على الطيبة ولا يمَلُّ سامعها يطيب بها الجرح، ويبرأ سواء النفسي أوالجسدي. تخرج دون استئذان ولا تُعقِب الندامة. لا يختلف أحد على أثرها على النفس. مهما اشتدت الرياح التي تعصف جراء المواقف إلا أنَّ الكلمة الطيبة تنزل كالمطر في البيداء، تُسِرّ المستمع، تؤلف القلوب، وتفتح أبواب الصفاء وتغلق أبواب العداوة. قال تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا).

إنَّ فوائد الكلمة الطيبة، صدقة ونجاة كما إنها تطفئ الغضب، وطريق للمغفرة، تُقلل التفكير السلبي، تُزيل الحزن، تُهذب النفس. خلق الله سبحانه وتعالى كل شيء ضمن موازين عادلة.

بالنسبة لسلوكيات الإنسان لا الزيادة والمبالغة، ولا النقصان في الشيء لحد كبير والذي يتسبب بالأذى لنا ولغيرنا سلوكياتنا أيضاً بموازين العدالة. الطيبون يمتازون بنقاء القلب والسريرة، لا مكان للشرور في مملكة قلوبهم، لا مرتع لجذور الحقد في أنفسهم، لا للأنانية، يضربون المثل في الرُقي، شفافين تكاد ترى قلوبهم من خلال وجوههم البشوشة. إنهم الرائعون بمعنى الكلمة، المبالغة في الطيبة غير محمودة، على الرغم ما قد قيل من عبارات عن الطيبة إلا أنها إذا تعدت المعقول فالأمر يأخذ منحنيات مختلفة. المتضرر الأول هو الطيب.

لنقُل مجازياً إنَّ بين الطيبة والمبالغة فيها شعرة وهي المنطق، لابُد أن يكون الشخص منطقياً في تعاملاته، والتحكم في الطيبة لا ينتقص من قدر الشخص لنفسه والآخرين.

وهناك ضوابط تُساعده على عدم التَّسرع، ومنح طيبته لمن يستحق كي لايصل لموقف ويقنع نفسه أن قلبي الطيب هو السبب، الطيبة لا تُلغي دور التفكير بمنطقية وموضوعية هي تحكم العقل في الوقت المُناسب لاتخاذ القرار.

إنَّ أطيب قلب من يُساعد نفسه بدفع الضرر عنها وعن الآخرين قبل أن ينفعهم، بإمكان طيبة الشخص أن تُغطي عنه بعض حقائق الأمور بسبب حسن الظن، واعتقاده بأن الجميع يمتلك صفاته. لا يعني الشك بمن حوله.

هل الطيبة يُمكن أن تؤدي إلى مشاعر سلبية؟ الطيبة المتوازنة المقرونة بالمنطق لا تتسبب بأي أذى. لكن الثقة اللامحدودة بالآخرين يُمكن أن تؤثر جراء تكرار المواقف التي وضع الطيب نفسه فيها، والتي تشعره بالظلم والاستغلال. يتكرر قول أنت طيب لم لا تنتقم؟ الطيب داخلياً لا يحب الانتقام، ويصفح عن من قاموا بإيذائه لكنه يشعر بالانهزامية جراء مواقف متكررة لنفس الأشخاص.

حقيقةً أن الطيبة ليست ضعفاً بالشخصية، بل تمنح صاحبها رقيا وجمالا روحيا وشفافية، لكن مهم أن تكون مغلفة بالمنطق لتكسب راحه نفسية. لتُعزز الروابط بين أفراد المجتمع. وأصحاب القلوب الطيبة الخيانة لديهم موصدة أبوابها، الغدر عندهم تمَّ نفيه بعيدًا، مخلصون حتى النخاع، لا يخشون من الأمس واليوم والمستقبل. كحمامة سلام ينشرون الوئام، يرممون القلوب، تطيب معهم الجراح، حديثهم لا يُسمع قدر مواقفهم النبيلة، ينشرون عبق الزهور ويتركون إيجابية تبعث في الأنفس راحة، هم أول من يمد يد وطوق النجاة، لا يهرمون كبراءة الطفولة أوجههم، أعينهم مرآة لقلوبهم، لا يجيدون فن التخفي ولا يرتدون أقنعة الزيف والخداع، القلوب حولهم كالثلج والبردِ. "مُشكلتي أنني طيب" تتردد هذه العبارة. لكن في الحقيقة إنها ليست بمشكلة.

لا يتطلب أن يُغير الإنسان شخصيته إن لم ترق للآخرين، ولا يجب أن يقمع طيبته من أجل أن يُحيي في وسط لا يعطي للطيبة بالاً. الطيبة تمنح العيش بسعادة لكن بجرعات ملائمة بحيث لا تسلب من الشخص أبسط حقوقه. الطيب يترك أثراً طيباً يعود على نفسه والوسط الذي يتواجد فيه. يمتلك طاقة بإمكانه أن يمدها لمن حوله للتخفيف من حدة الضغوطات واتجاهاتها. كم من مواقف تغيرت مساراتها من كلمة طيبة.

دمتم بطيبة وبنفوس مستقرة.

 

تعليق عبر الفيس بوك