وانتهت جولة من جولات الصراع مع العدو

 

علي بن مسعود المعشني

Ali95312606@gmail.com

 

في يوم الجمعة الموافق 21 من شهر مايو 2021م، انتهت جولة من جولات صراعنا العربي مع العدو الصهيوني المُحتل لفلسطين، وسبب توثيقي لهذا التاريخ المجيد هو انضمامه لسلسلة مُواجهات مع العدو سابقة انتهت ولاحقة ستأتي وستنتهي بزواله وتحرير فلسطين من النهر إلى البحر.

ما يُميز هذه الجولة عن سابقاتها ليس السلاح النوعي المُستخدم من قبل فصائل المقاومة، ولا الأهداف النوعية التي استهدفت العدو في قلب فلسطين المحتلة، ولا المعلومات الاستخبارية الدقيقة التي توفرت لفصائل المقاومة من قلب فلسطين المحتلة، ولا التعاطف الشعبي الفلسطيني والعربي والإسلامي والعالمي الواسع لنُصرة فلسطين، ولا تخبط الكيان الغاصب قيادة وقطعانا لهول ماحدث، بل هو شمولية الانتفاضة لكامل جغرافية فلسطين من صفد شمالاً إلى رفح جنوبًا تحت إمرة المقاومة، وخروجًا على السُلطة وغطرسة الكيان.

لا نحتاج إلى تذكير المقاومين بأنَّ الكيان الصهيوني لم يُحقق أي انتصار عسكري على العرب منذ معركة الكرامة مع الجيش العربي الأردني الباسل عام 1968م، ولغاية هذه الملحمة الأخيرة، ولكننا نحتاج إلى تذكير المتخاذلين والخاملين والقدريين بأن تلك الملاحم لم يُقدر لها الاستثمار السياسي الحقيقي من قبل النظام الرسمي العربي لتحقيق مكاسب سياسية حقيقية في رصيد القضية. الفارق اليوم هو وجود كُتلة مقاومة شكلت مع الأيام حكومة ظل عربية وازنة في مواجهة المُحتل، بقدرات قتالية عالية وتضحيات جسيمة ومقاتلين محترفين وسلاح نوعي، وحاضن شعبي عربي يتسع كل يوم رغم الحرب الإعلامية المضادة، ومؤازرة عالمية بحكم ثورة الاتصالات في العالم، وسيطرة وهيمنة الإعلام الاجتماعي البديل والذي نحى الإعلام الرسمي جانبًا وجعله تابعًا له. مايُحسب للمقاومة اليوم هو تصالحها إلى حد كبير مع النظام الرسمي العربي رغم منظومتها القوية الموازية له، وتخندق النظام الرسمي العربي في خانة العداء لها إلى حد كبير بدلًا من احتضانها ودعمها لاكتساب قوة تفاوضية قوية مع العدو وحلفائه ومخططاتهم الجهنمية للوطن العربي برمته والتي تتعدى فلسطين وجغرافيتها بمراحل، وتستهدف الأمة العربية بجميع أقطارها وفي كل مفاصلها التاريخية والثقافية والحضارية وحاضرها ومستقبلها.

لا شك أن ملحمة حرب يوليو (تموز) عام 2006م أسقطت القناع تمامًا عن أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وأسقطت معها الصورة النمطية السلبية والانهزامية التي تشكلت في الوجدان والعقل العربي الجمعي، وجعلته عقلًا متواكلًا وانهزاميًا وقدريًا إلى أبعد الحدود، ولكن بفضل ملحمة تموز المجيدة لم يعد الكيان يجرؤ على تخطي شبر من تراب لبنان، وأصبح البديل هو تحريك العملاء بداخل لبنان وخارجه لتشويه صورة حزب الله، ورفع درجة السخط الشعبي ضده، وجعله شماعة لكل مصائب لبنان. وبرغم كل تلك الجهود البائسة فقد عجزوا عن النيل من قوة الحزب ومكانته وحضوره، وعن زعزعة صورة الحزب من قلوب الحاضن الشعبي اللبناني والعربي بل جعلوا من حزب الله يُعادل لبنان في القوة والوجود بلا وعي منهم.

جميع الشعوب التي عانت من احتلالات عبر تاريخها لم تنتصر إلا بالمقاومة التراكمية والتضحيات الجسام، فحين ترتوي أرض الوطن من دماء الشهداء تُزهر حرية وعزة وكرامة هكذا يعلمنا التاريخ، فثورات الجزائر لم تنقطع ضد المحتل الفرنسي منذ بواكير الاحتلال عام 1830م ولغاية إعلان الاستقلال في 5 يوليو 1962م، ولكن الراسخ في العقول هي الثورة الجزائرية الأخيرة وهي ثورة جبهة التحرير الوطني الجزائري (1 نوفمبر 1954م –18 مارس 1962م)، والتي تحقق على يد مناضليها الاستقلال ودفعت في سبيل ذلك مليون ونصف المليون شهيد، بينما دفعت الثورات التي سبقتها بـ8 ملايين ونصف المليون شهيد ولم يذكرهم سوى أرشيف الثورة الجزائرية وبعض مصادر تاريخ الجزائر الحديث.

قد يتعجب البعض حين أقول بأن أقوى جولات المواجهة مع العدو الصهيوني بعد حرب يوليو (تموز) 2006 كانت جولة المواجهة عام 2012؛لأن تلك الجولة كانت تاريخية ومفصلية وتحمل رسائل ودلالات مهمة للغاية في حجمها وتوقيتها منها:

  • اختبار جهوزية فصائل المقاومة في قطاع غزة في ظل انهماك الحاضن السوري في حرب إرهاب كونية غير مسبوقة.
  • اختبار جدية تنظيم الإخوان في تعهداتهم للراعي الأمريكي بحماية أمن الكيان في حال تمكينهم من السُلطة في الوطن العربي من خلال الربيع العبري المشؤوم.
  • اختبار جدية وإمكانية حل الدولتين بإقامة خلافة إسلامية كبديل للسلطة الفلسطينية مقابل إعلان دولة يهودية خالصة في أراضي عام 1948م، مع تهجير جميع الفلسطينيين إلى دولة الخلافة لاحقًا.

تبين للعدو الصهيوني ورعاته الدوليين وحلفائه الإقليميين من تلك الملحمة:

  • إن غزة لم تعد حماس وحماس لم تعد غزة كالسابق.
  • وإن إشغال سورية في تلك الحرب العبثية لم يشغل حلف المقاومة للحظة عن فلسطين ومقاومتها وفصائلها.
  • وإن الخلافة المزعومة كبديل لحل الدولتين من الأحلام الكبرى للصهاينة والمطبعين ولا يمكن تمريرها.
  • وإن الإخوان تنظيم دعوي/ خيري/ قيمي لا يمتلك مشروع سياسي للحكم، ولا يمكنه تخطي المؤسسات العميقة والحرجة في الوطن العربي واختراقها، وإعادة إنتاجها لتنفيذ وعودة بحماية أمن الكيان مقابل التمكين من السلطة.

في كل جولة مواجهة لنا مع العدو الصهيوني تخرس البنادق، والمدافع وتستقر الصواريخ في راجماتها لتنطلق حروب أخرى غير مرئية وبلا ضجيج بداخل الكيان، كالهجرة العكسية وفقدان الأمان والمستقبل معًا من قبل رعايا الكيان، وتيقنهم من ضعف وعجز حكوماتهم وجيشهم عن تحقيق الأمن لهم وبقرب زوال كيانهم، ومدى تعاظم قوة فصائل المقاومة بفعل قوة ومؤازرة الجوار الحيوي المقاوم لها كـ سورية وحزب الله وإيران، سنترقب تقرير لجنة فينوغراد مجددًا لتضع النقاط على الحروف، وكعادتها بعد كل جولة مواجهة مع فصائل المقاومة وانتكاسة لجيش العدو المتقهقر، واليوم سيلهث الصهاينة وسيأتون حبيًا على الركب يتوسلون التسريع بحل الدولتين؛ لمنح الكيان فرصة عمر افتراضي للبقاء وإن كابروا فزوالهم أقرب لنا من حبل الوريد، والله غالب على أمره فهكذا كان مصير الطُغاة والأشقياء عبر التاريخ يُملي عليهم الله من القوة الوهمية ليكابروا وليأخذهم بغتة سبحانه.

------------

قبل اللقاء:

تواضع الكيان الصهيوني مُكرهًا في تحقيق حُلمه القديم من الفرات إلى النيل؛ ليصبح كل همه اليوم كيف يحمي يافا والمسماة زورًا وبهتانًا بـ"تل أبيب" بفعل ضربات المُقاومة الموجعة حيث لم يعد جيش العدو يخوض حروبًا "سياحية" خارج جغرافية فلسطين المحتلة كالسابق، بل أصبح يختبئ خلف قبب حديدية وهمية لن تحميه طويلًا.

وبالشكر تدوم النعم..