50 عامًا على رحيل رائد الصحافة العمانية

 

سلمى بنت سيف البطاشية

هو الشيخ نصر بن محمد بن صالح الطائي رائد الصحافة العُمانية المُعاصرة، ولد الشيخ نصر في مسقط عام 1932م وهو سليل أسرة كبيرة لها جذورها في القضاء والشعر والأدب، وتلقى تعليمه في المدرسة السعيدية وهي المدرسة النظامية الوحيدة في عُمان آنذاك، ومن ثم عمل فيها مدرسًا بين عامي 1947 و1950، ثم موظفاً بالبنك البريطاني، فموظفاً بشركة تنمية نفط عُمان، ومن ثمَّ هاجر إلى الشارقة وعمل مُعلماً للغة الإنجليزية في المدرسة القاسمية منذ عام 1951.

كان من ضمن التلاميذ الذين درسهم في هذه المدرسة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة حالياً. ومن الشارقة غادر إلى البحرين والمملكة العربية السعودية يلتمس الرزق ثم قدم دبي فعمل مساعداً لمدير الجمارك حتى سافر إلى أبوظبي عام 1962م وعمل هناك إلى أن بدأ العهد الجديد في السلطنة وعاد إلى بلاده وهو يحمل الأمانة والأماني.

لقد أحس- رحمه الله- بحاجة وطنه القصوى إلى جريدة رسمية تكون رسولها الدائم لدى الشعب العُماني وتزيده علماً بالمجهود الذي تبذله حكومته الجديدة في سبيل رفاهيته ورُقيه وعند عودته إلى وطنه بعد أن حكم صاحب الجلالة السُّلطان قابوس بن سعيد- طيّب الله ثراه- عام 1970، أسس الشيخ نصر- رحمه الله- أوَّل جريدة يومية عُمانية واسماها "الوطن"، وأوَّل عدد صدر من هذه الجريدة كان يوم الخميس الثامن والعشرين من يناير من عام 1971، وبدأت صحيفة يومية سياسية جامعة تصدر مؤقتاً بشكل أسبوعي، وكانت تطبع في تلك الفترة في مطابع صحيفة الجمهورية اللبنانية في بيروت وكانت مقالاته تتسم بالجرأة والمناقشة الصريحة والشفافية للكثير من قضايا المجتمع المحلي في تلك الفترة.

في العدد الأول من جريدة الوطن كتب رحمه الله مقالاً افتتاحياً تحدَّث فيه عن المسؤولية التي أخذتها على عاتقها في توجيه الرأي العام وبلورة الحقائق عن طريق الصحافة. اتسمت "الوطن" بالصيغة السياسية. كما جرت العادة أن يستفتح الشيخ نصر رحمه الله العدد الصادر بمقالة منه يرصد أخبار وأحوال البلاد ويتحرى دقتها أضف إلى ذلك أنَّه كان يقوم بجهد ميداني مضاعف ليطرح هذه الأخبار والأحوال بعمود نقدي كان يكتب بها اسماه "صولة وجولة". وكذلك تناولت جريدة "الوطن" قضايا سياسية واقتصادية شتى كأحوال الإعمار والبناء واحتكار التجارة وحرب ظفار، إضافة إلى القضايا العربية المركزية كقضية فلسطين المحتلة وكذلك أيضاً لم تخل "الوطن" من الكتابات الأدبية كالشعر. وفي العدد الرابع من الجريدة الذي صدر في 18 فبراير 1971، أوضح رحمه الله في لقاء صحفي معه نشرته جريدة الجمهورية اللبنانية أن اسم "الوطن" كان يراوده منذ عشر سنوات عندما كان خارج بلاده.

وكان -رحمه الله- أوَّل صحفي يحظى بحديث صحفي مع السُّلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- وبذلك سجل التاريخ أنَّ "الوطن" أجرت أول حوار صحفي مطول مع السُّلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- ونشر بتاريخ 8 إبريل عام 1971، وكان العنوان الذي تصدر الصفحة الأولى بالخط العريض مع صورة تجمعهما معاً "جلالة السلطان قابوس يجيب على أسئلة الوطن" مقابلة صحفية أجراها رئيس التحرير.

وتوفي- رحمه الله- في منزله الكائن بإمارة أبو ظبي؛ حيث إنِّه وجد ميتًا على فراشه إثر سكتة قلبية أصابته بليلة 19 مايو عام 1971، عن عمر ناهز الثمانية وثلاثين عاماً ونقل جثمانه إلى مسقط بأمر من السلطان قابوس ودُفن إلى جوار أهله ممن سبقوه.

وقال عنه أخوه الشيخ عبد الله الطائي- رحمه الله- في كتابه "الأدب المعاصر في الخليج العربي": "وفي سلطنة عُمان عاد شاب عُماني إلى مسقط رأسه ... فأصدر جريدة أسبوعية سماها "الوطن"، هذا الشاب هو الأستاذ المرحوم نصر محمد الطائي؛ فكانت الجريدة شعلة ساهمت في تفريق الظلام ونبهت الأفكار ودعت العُمانيين إلى البناء ودعت الحكومة إلى كسر الاحتكار الاقتصادي، فكثر المتآمرون عليه، حتى اختاره الله إلى جوار ربه في 19 مايو 1971 وما تزال وفاته غصة في قلب كل عُماني حر".

تعليق عبر الفيس بوك