الشكوى.. من مفاتيح تحريك الدعوى الجزائية

 

ظافر بن عبدالله الحارثي

dhafiralharthi@gmail.com

 

لقانون الإجراءات الجزائية أهمية كبرى؛ إذ بدونه سيبقى قانون الجزاء أو ما يُعرف بقانون العقوبات مجرد نظرية وحبرٍ على ورق، وذلك باعتبار أنَّ هذه الإجراءات تضع الآلية التي من خلالها تُفعَّل النصوص القانونية، والكيفية الإجرائية بدءًا من اقتراف جريمة وورود شكوى أو طلب أو إذن لتحريك الدعوى، ثم إلى مرحلة الاستدلال، ثمَّ مرحلة التحقيق والمحاكمة، أو حسب ما قد ينتهي إليه الادعاء العام (المسؤول عن تحريك ومُباشرة الدعوى العمومية) من قرار سواء أكان حفظ القضية أو إحالتها للمحكمة المختصة.

وتُعد الشكوى كأول قيد لتحريك الدعوى الجزائية إجراءً يُعبر به المجني عليه في جرائم محددة عن اتجاه إرادته في تحريك الدعوى الجزائية من خلال بلاغ يقدمه للسلطات العامة يُفيد بوقوع جريمة عليه، هذه الجرائم تتمثل في (جرائم الاعتداء على العرض، جرائم الاعتداء البسيط، جرائم التهديد والسب والقذف، جرائم السرقة وابتزاز الأموال، جرائم الاحتيال، جرائم الشيكات، جرائم إساءة الأمانة، وأخيرا جريمة انتهاك حرمة المساكن والأملاك الخاصة)؛ إذ تشكل كل تلك الجرائم نطاق جرائم الشكوى التي تُعد من حقوق المجني عليه ووكيله الخاص بحسب المادة (5) من قانون الإجراءات الجزائية.

تقدم هذه الشكوى إلى الادعاء العام أو لأحد مأموري الضبط القضائي (كالضابط المسؤول في مركز الشرطة)، ولم يحدد القانون شكلًا مُعينًا للشكوى المراد تقديمها؛ فقد تكون شفهية أو مكتوبة، وكذلك تعد- في حكم الشكوى- الاستغاثة الصريحة من المجني عليه ضد الجاني، إلا أنَّه في المقابل يجب أن تكون غير معلقة على شرط وباتة؛ وفي حالة وجود أكثر من مجني عليه يكفي أن تُقدم الشكوى من أحدهم، ولابد من الإشارة إلى أن هذه الشكوى قد تقدم من المجني عليه إذ كان قد أتمَّ 15 سنة ميلادية، وإذا لم يتم 15 عامًا أو إذا كان مصابا بعاهة في عقله فتقدم ممن له الولاية عليه، وإذا كانت الجريمة واقعة على الأموال فيجوز تقديمها من القيِّم أو الوصي، كما أنه في حالات مُعينة قد يقوم الادعاء العام بالتمثيل؛ كحال ما إن كان هناك تعارض في المصالح بين المجني عليه وبين من يُمثله.

وكما أشرنا أعلاه للكيفية التي يبدأ من خلالها رفع الشكوى، وبالتالي تحريك الدعوى الجزائية، لابُد من الإشارة إلى الأسباب التي مع توافرها ينقضي هذا الحق المتمثل في تقديم الشكوى:

1- موت المجني عليه، 2- مضي المدة (انقضاء 3 أشهر) من علم المجني عليه بالجريمة ما لم ينص القانون على غير ذلك، 3- التنازل عن الشكوى أو الطلب، 4- العفو عن الجريمة، 5- إلغاء النص العقابي، 6- انقضائها بالحكم البات؛ إلا أنَّه من باب الدقة لابُد من الرجوع لنصوص القانون الإجرائي للحصول على الإجابات بصورة شاملة.

أما القيد الثاني لتحريك الدعوى الجزائية، فهو الطلب؛ والذي يقتصر على الجهات الإدارية المختصة من حيث من يمارس هذا الحق، وذلك على أساس أنها هي الطرف الأساسي في الجريمة (المعتدى عليها)، إلا أنَّ هذا الطلب يأخذ شكلاً محدداً رسميًا حدده القانون (كالكتابة، التوقيع، التاريخ، ذكر اسم الشخص وصفته وغيرها)، والملاحظ فيما يخص انقضاء حق الطلب، أن هذه الصورة لا تنقضي إلا إذا انقصت الجريمة نفسها من خلال (وفاة الجاني أو التَّقادم).

أما القصد الثالث فهو الإذن؛ والذي يفيد بأنَّه إذا أرادت سلطة التحقيق مباشرة مهامها تجاه موظف ما، فلابُد من الحصول على إذن الجهة التي يتبع لها أولاً، وذلك لما تشمله من الحماية القانونية المعروفة بالحصانة، إلا أن نطاق هذا القيد ينطبق على ما تقرر لمصلحتهم هذه الحماية وهم محددون بحسب صفاتهم لا شخوصهم.

وفي الختام.. إنَّ التشريعات وحدها، وسلامة صياغتها، ومدى ملاءمتها مع حاجة المجتمع لها، لا تكفي لقيام منظومة قانونية ذات جودة وفاعلية تضمن أفضل المُمارسات؛ بل لابُد أن تكتمل من خلال وضوح إجراءتها والكيفية التي تبين آلية المضي فيها للجمهور بشكل عام، ومن هذا المنطلق بين حين وآخر، أحرصُ على تصحيح بعض المفاهيم المغلوطة عن القانون، وتحليل المشهد القانوني وما يحتويه من تحديثات مستمرة، كما أحرصُ على بيان بعض الإجراءات الضرورية التي يحتاجها الفرد ليُفعِّل من خلالها حقه الدستوري المعني بالتقاضي وجني ثمار العدالة.

تعليق عبر الفيس بوك