غصن الزيتون


وداد الاسطنبولي

حين سمعت صوت قرع الباب؛ ذهبت مسرعة لفتحه، وتفاجأت بتلك الماجدة التي إرتمت بأحضاني، هول الموقف شل أضلاعي، الصدمة أفقدتني الحركة، آهاتها كانت ترن بأذني، وحديثها يخرج من الأعماق، فهمت بعضه، وبعضه لم أستطع أن أترجم طلاسمه، إذ يغشاه البكاء بنحيب. وعلاوة على هذا وذاك.. يديها تتثبتان بي، وكأني القشة التي تنقذ الغريق من هلاكه. نعم.. نعم.. هي تستنجد بي لأكون عونا لها فيما حل بها، وأنا أستطرد بفكري "ماذا عساي أفعل لتلك الماجدة الأبية؟" 
 ذلك الغصن الذي كان يتثبت بي وينطح  جسدي،  كنت أشعر بنيرانه  حولي. كان ذلك الغصن الشامخ لا يريد السقوط، ولا يريد الهوان، يريد أن يعيش على جذور ثابته، تحركه الرياح البحرية، ويتنفس الهواء العليل، كما يعيش الآخرين، يريد الأرض،  ليستعيد أمجاده، وكيانه وبطولاته المسطرة على صفحات التاريخ عبر العصور والأزمنة المختلفة.  نعم.. نعم.. يريد وطنا يستبدل الأحزان بالأفراح، ويشيل بيده باقات من الورد الأحمر، وليست أكفان باللون الاحمر. 
بحرقة ممزوجة بلوعة أقولها: "ليس بوسعنا سوى الرفض المسجل في مواقفنا، وكتابة مقالاتنا عن غصن الزيتون  هي من أضعف الايمان. غصن الزيتون شرف هذه الأمة، وخذل الله من خذل شعبه ومقدساته". 
وفي هذه السياق...أعجب من الذي يفكر بالتطبيع!  ومن يقول إن  للكيان الصهيوني   حق في الارض!  وأعجب من له  الحق  في ممارسة شعائره في تلك البقعة المقدسة، أصبح هو الغريب في أرضه! "مالكم كيف تحكمون".
وهنا ينبثق سؤال.. من يهدأ ثورة  بكاء الماجدة وانكسار عزيمتها؟ ولماذا طرقت بابي أنا؟! وأنا الهشة المقلقة، الصامتة التي أكتفي بالمراقبة، يهضم ما يهضم مما أنا فيه، وأستسلم لواقعي، وأقف كالشاحبة، فكيف أهدأ من أعصابها ضد  الكيان الغاصب؟ وكأني أرمي بنفسي في هاوية لا قرار لها. وأي هاوية تلك؟ أظنها هاوية لا محل لها من الإعراب الوجودي.
منذ وعيت وأنا أسمع هتاف الإنتفاضة، ولا أدركها.. حتى نضجت، ومع هذا وقفت عاجزة، كما تقف الآن عاجزة مع حصار غصن الزيتون، لا أعرف ما يتغلل في أعماقها، وماذا تريد أن تشعرني به، أكثر مما شعرت!  وهل حقا شعرت؟!..........
أود أن أستطرد هاهنا - وأظنني قد أبصرت بعيون زرقاء اليمامة - "غصن الزيتون قوي متين محفوظ بفضل العناية الإلهية وحدها، فصمودها الاستثنائي في ظل المعادلات الحياتية وتوازن القوى المادية، لا يقبله العقل البشري العاجز، ما لم يربط بقوى خارقة للعادة، ألا وهي قوة الله العادل المتصرف بملكه كيفما يشاء. 

هناك اللون الأحمر القاني على جبين غصن الزيتون، وبارود يعمر أمنياتها. وكأن قدر غصن الزيتون الإبتلاء الإلهي بالإحتلال، الذي لن ينتهي الا بقيام الساعة، بيوم معلوم ومقدر من الله. ولكن..... نحن... نعم نحن..... بماذا ابتلانا الله؟

      

تعليق عبر الفيس بوك