علي بن سالم كفيتان
صمتت بنادق الرفاق وخفت صوت العرب في الوقت الذي يدنس فيه اليهود أول قبلة توجه إليها المسلمون والمكان الذي عرج منه نيبنا محمد صلى الله وعليه وسلم، وعزائي في عُمان أننا لم نداهن المعتدي.
بهذه المراحل الفارقة من التاريخ لا تصل إلى نهاية المضمار، إلا الشعوب الأصيلة التي ذاقت الإحساس بالعزة وزاحمت الإمبراطوريات العظيمة على سيادة الدنيا، ومن هنا نجد أنفسنا الشعب الأقرب إلى فلسطين؛ فعلى أبواب القدس ومن على قلعة شقيف المطلة على فلسطين المحتلة سجل العليان جولة نضال أقرب إلى الخيال مع أبو عمار ورفاقه، في تلك الحقبة دفاعاً عن فلسطين، وعلى مشارف الجولان قاوم بن كانون جعبوب مع رفاقه دفاعا عن الأرض العربية.
ولا شك أن هناك كثيرون ثاروا مع فلسطين من أرض الغبيراء التي دأبت على إنجاب الأبطال الذين خلدتهم سجلات العزة والكرامة.
فعندما ألجمت الأنظمة شيوخها وعلماءها واستأنسهم ظل الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام السلطنة يغرد وحيدًا ضد الاحتلال، وعندما وقفنا في الجمعة الأخيرة من رمضان مع شيخنا في دعاء الاستغاثة برب العزة من شر هذه الجائحة لم ينسَ سماحته فلسطين؛ وكأنه يستشرف ما سوف يأتي من تنكيل بالمصلين في الحرم القدسي الشريف، وهذه مكرمة أخرى لنا كعُمانيين، فقد ظلت أصواتنا عالية لم تخفتها دهاليز السياسة، ولا مكر المتربصين بزعزعة الثبات العُماني الأصيل في وجه الطغيان الصهيوني الآثم ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، فظلت قنواتنا السياسية تمنح نبض الحياة للشعوب العربية المنكوبة من بغداد إلى دمشق وحتى فلسطين واليمن وليبيا، واليوم نقف مع فلسطين حكومة وشعباً وعلماءً، نمتلك خطابًا واحدًا ورؤية واحدة، وهي أن إخواننا الفلسطينيين مهما خذلهم الزمن، وأدار الإخوة ظهورهم لقضيتهم وخذلتهم قياداتهم المتنازعة على فتات المساعدات، فنحن لن نخذلهم في عُمان، سنظل إلى جانبهم بكل ما نملك من أدوات سياسية واقتصادية ودعم معنوي حتى يزول الاحتلال.
لقد انتهك اليهود كل المحرمات في شهر رمضان المبارك، فقد دخلوا الحرم القدسي بأحذيتهم ونكلوا بالمصلين بإطلاق الأعيرة النارية والمفرقعات وطلقات الدخان وضربوا حرائر فلسطين في محراب السيدة العذراء، فأدموا وجوههن المضيئة بنور الايمان وجاسوا خلال الديار بخيلهم وبغالهم ليمنعوا شعب الجبارين من إحياء ليلة القدر في المسجد الأقصى، لكنهم فشلوا وخابوا عندما دافع الفلسطينيون دون غطاء سياسي أو عسكري عن الأقصى، فذبّوا عنه رجالًا ونساءً، ولا عجب أن نرى جميع المعتقلين- مع زبانية الاحتلال- مبتسمين رافعين رؤوسهم إلى عنان السماء رغم الجروح والدماء التي تسيل من وجوههم... إنه الايمان والدفاع عن القضايا العادلة يجعل هذا الشعب الأعزل يمتلك كل نقاط القوة والجلد.
سكتت كل البنادق وخفت صوت الساسة وعلماء الدين وظلت الأسلحة التي أنهكت الموازنات وأكلت من قوت الأطفال، في مخازنها تنتظر نهاية صلاحيتها، لشراء غيرها، من نفس البائع الذي يضمن بقاء ووجود إسرائيل لإعمار شركاتهم العملاقة، كي تنكل بشعب فلسطين. ففي الماضي القريب كان هناك رجال يستحون فيهبّوا لنصرة فلسطين كلما تجبر الطغاة، فاتصال من الملك عبدالله- رحمه الله- مع جورج بوش يوقف العدوان، وظل الشيخ زايد- رحمه الله- يعمر كل ما دمره العدوان، ليلم شمل من أصبح في العراء، وبقي السلطان قابوس والشيخ صباح- رحمهما الله- يعملان بصمت بعيدا عن الضجيج الإعلامي لترميم الجراح الفلسطيني بعد كل غارة من العدو الصهيوني.
اليوم بندقية واحدة هي التي نطقت وسط هذا الصمت المهين، إنها بندقية غزة العزة، فقد أطلقت المقاومة زخات من صواريخها على أوكار الصهاينة في تل أبيب، ودوت صفارات الإنذار على كامل التراب الفلسطيني المحتل، وهذه صفحة ثانية من الثبات على الحق؛ فغزة تعودت على دفع ثمن الحرية، ومستعدة لقصف الصهاينة بلا رحمة، لكنهم أرادوا أن يبعثوا خطاب الكرامة للمرابطين في الأقصى بأنهم لم يسلموا البندقية ويرهنوا أنفسهم لاتفاقيات أوسلو.