صدفة أم قدر؟!

هند بنت سعيد الحمدانية

عندما سقط كوب القهوة الساخن من بين أصابعي وأنا خارجة من المقهى، فاتسخت ملابسي، واضطررت أن أعود إلى المنزل، فتأخرت على موعد المقابلة، ولم أحصل على الوظيفة.. فهل كانت صدفة؟!

عندما قررت الزواج، بعد أن وجدت شريك حياتي المثالي، شبيه روحي وملامحي، ووجدت فيه مرآتي التي تعكس كل ما حلمت به يوماً، وتقدم لخطبتي، وتم عقد القران، وبعد أسبوعين بالتمام توفي فجأة بدون مرض أو حتى وداع، فأمسيت أرملة موجوعة....  هل ما مرَّ بي محض صدفة؟!

عندما خلقني الله بتشوه في أحد أصابع قدمي، وقضيت طيلة طفولتي وحياة المُراهقة، استحي أمام زملاء المدرسة، عندما كانوا يطلقون النكات على تشوه قدمي، وكنت أحاول أن أخبئ وجهي من شماتة من لا يحبني، حتى جاء موعد التجنيد العسكري الإجباري، الذي يتهرب منه أغلب الشباب، وتم إعفائي منه بفضل الله ثمَّ بسبب هذا التشوه الخلقي الذي لطالما أزعجني... هل كان كل هذا صدفة؟!

يقول محمود درويش: "أجمل ما في الصدفة أنها خالية من الانتظار".. فهل أنت ممن يُؤمنون بتتالي الصدف في الحياة.. هل أنت ممن يؤمن بالحظ والنصيب؟

من وجهة نظري .. أنَّ الصدف هي تحليلنا العاجز لكل أمر أو حدث لم نستطع فهمه أو تبريره، فأنا لا أؤمن بالصدف إطلاقاً.. إنني أؤمن بالأقدار، مثلما يقول الله تعالى: "وكل شيء خلقناه بقدر"، لكن السؤال هنا: لماذا تأتي الأقدار متفاوتة بصورة مُفاجئة أحياناً أو لمدة معينة؛ قصيرة أو طويلة ثم تتلاشى؟! وإذا كانت الأقدار أشخاصا أو مواقف، أو أماكن علقت بذاكرتك، أو كلمات ما زالت تتردد على مسمعك، أو رائحة عطرة مرت بجانبك فلم تستطع تجاوزها.. فلماذا القدر هذا كان من نصيبك أنت؟ أنت وحدك!! لماذا جاءك في هذا الوقت أو ذلك الموعد، لماذا؟!

عزيزي القارئ... إنِّها رسائل الله، رسائل الأقدار المكتوبة والمحفوفة بعناية الله، لا وجود للصدف إطلاقاً، تأكد أنَّ كل ما يحدث لك مقدر بمقياس رباني لكنه في علم الغيب، وما عليك فقط هو أن تتعلم كيف تتعاطى مع تلك الرسائل، كيف تتقبلها وتتعامل معها، وكيف تُودعها إن كان مقدراً لها الرحيل.

أوجز لكم في الأسطر القادمة بعض القيم الثابتة التي من شأنها أن تعيد لكم التوازن الداخلي والسكينة الروحية تجاه كل ما قد يمر عليكم في عباب الحياة.

الرضا .. هو أول القيم التي يجب أن نغرسها في قلوبنا حتى ينساب لنا معينها على صور من الشكر والامتنان لكل قدر يأتينا من الله سواء كان نعمة أو ابتلاء، فالرضا بما قسم الله هو قمة السعادة وراحة البال التي ستفوز بها في الدنيا قبل الآخرة.

التسليم..  من أعظم قوانين الكون .. قانون التسليم: أن تسلم أمرك لله، وتستقبل كل رسائل الله بحب وبقلب متوكل ورحب، وتدع الأقدار تأخذ مجراها بكل خضوع وإذعان وبدون سخط أو غضب.

السبب واليقين .. خلف كل رسالة تمر عليك سبب.. ربما لن يكون واضحا وجليا بالنسبة لك.. لماذا يحدث هذا؟ لماذا أنا يا رب؟ لماذا ليس غيري؟ ليس من حقك أن تتساءل بتذمر؛ بل يجب عليك أن تتقبل الأقدار بيقين تام في داخلك أن هناك سبب في علم الغيب لا يعلمه إلا الله، يقول المولى عزَّ وجلَّ:( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو)، فالغيب عند الله وكل الأسباب عنده، يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، لذلك كن متيقناً بأن كل ما حدث لك هو خير عظيم، حتى لو كان في ظاهره شر أو سوء، فعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم.

الرسائل في حياتنا دروس ومعان وعبر، قد يتكرر عليك في حياتك أشخاص بصفات معينة، يؤذونك في كثير من الأحيان، وتتألم بسببهم، ثم يرحلون، وقد تتعرض للأذى مرارا وتكرارا ولا تنتهي مناورات الأذى على مدى طويل من حياتك، ثم تتساءل: لماذا؟

علم الطاقة يفسر لنا كيف أن الأحداث أو الأشخاص الذين تصدر منهم تصرفات تؤذينا بشكل متكرر ودائم، لن يختفوا من حياتنا إلا إذا استوعبنا الدرس، واتخذنا مواقف شجاعة وقلنا لهم: كفى.

فإذا كنت عزيزي ممن يتعرض للأذى والاستغلال بشكل متكرر، خذ موقفاً صريحاً وواضحاً تجاه من يؤذيك، وتخلص من خوفك وضعفك أو خجلك، وقل: كفى، ثق تماماً أنك إذا قمت بردة فعل صادقة وشجاعة، سوف تضمحل هذه المشكلة من حياتك، وسوف يختفي معها كل بقايا من ذكريات ومواقف وأشخاص، كن واثقا لا تسير الحياة عبثا أو بشكل عشوائي، والذي يحدث لك، أنت فقط من يستطيع استيعابه واحتواء المشاعر التي تمخضت عنه.

ومثال ذلك: لن يستوعب الآخرون قصة الفتاة المُؤلمة في بداية المقال عندما توفي زوجها في مقتبل العمر بعد فترة قصيرة جدًا من عقد قرانهما.. ولكن مع تسليمها لقضاء الله وقدره وبعد مرور أقل من عام، تزوجت من شخص آخر يكبرها في العمر، كانت عائلة الفتاة من العوائل التي ترفض بتاتاً تزويج رجل متزوج ويكبر ابنتهم في العمر، لكنهم وافقوا على هذا الزوج بحجة أن ابنتهم أصبحت أرملة الآن، فوجدت الفتاة في هذا الزوج صفات رائعة لم تتخيلها قط، كان حنوناً جداً وعطوفاً.. مسؤولاً وكريماً.. وكأنه خلق ليكون لها سندا وظهرا وتكون له ضلعا.

وهكذا بقية الأقدار.. لا تأتي عبثاً مطلقاً، فالأسباب كلها في علم الغيب يُدبرها الله كيفما يشاء .. وقس على ذلك قصة سيدنا يوسف: يرميه إخوته في الجب، فتلتقطه القافلة، ويتبناه العزيز، ثم تفتنه امرأة العزيز، ثم يسجن، ثم يفسر رؤيا صاحبي السجن، ثم رؤيا الملك، فتظهر براءة يوسف، ثم يتولى خزائن الأرض، ثم يلتقي إخوته، ثم يعود لحضن أبيه.

إنها رسائل الأقدار .. معجزة بقوانين غيبية .. علمها عند الله، وليس عليك سواء التيقن والرضا، وسوف تنبهر في النهاية كيف أن كل شيء كان يسير لأجلك أنت.

رسالتي الأخيرة.. لا تحزن أبداً على أي شيء حدث في يوم ما وأوجعك، أو صديق عزيز رحل، أو شيء تمنيته كثيرا ولم يكن من نصيبك، لا تحزن أبدًا، على لحظة آلمتك أو كلمة جرحتك، لا تحزن على مكان لم يعد من حقك زيارته، أو وجه لم تعد قادرا على رؤيته، لا تحزن يا عزيزي، فلو علم العبد مقاصد الأقدار لبكى من سوء ظنه بالله.

تعليق عبر الفيس بوك