حلم جميل وحظ أجمل

 

وداد الإسطنبولي

 

أحزم أمتعتي، ليس لأني أحب الأسفار فلا أذكر أني خرجت عن الدرب كثيراً؛ ولكني الآن أحزم حقيبتي بعزم، بكل ما يجول في خاطري، وكل ما يعنيني من الأمور،  أمنياتي..  يومياتي..  وقتي..  أحلامي.. سأغادر،  وتوقفت فجأة وأنا أضع يدي على قفل الباب!

شعرت بشيء عالق في صدري، وشحنات تزيدني ضيقا، هدوء المكان رغم الازدحام والضوضاء من حولي زاداني غماً، هناك ما يُلصق قدماي بالأرض ويثبتها فأسقط بنظري إلى البسيطة، فتنزلق تلك الحقيبة التي تلتصق بيدي.. وتنفتح دون أن يسقط شيء منها فقد ركزت كثيرا على ضغط تلك الأربطة بداخلها،  لكي تحفظ أغراضي، وأتفرس بعيني بتمعن ولا أستطيع أن ألملمها، وقوعها أشار علي بالبقاء وكأنها تقول: على راحتك فما زال الوقت لديك كي لا تغادري.

خلعت ذلك البرقع الذي زادني خنقا.. فلفحتني برودة على وجهي؛ نظرت يمنة ويسرى، كان جسدي يتحرك ولكن رجلي تثبتتا وتجمدتا كلياً؛ لا حراك بهما، عصفور يغرد، يتناهى تغريده إلى مسمعي دون أن أدري من أي جهة يأتيني صوته، الوقت يمر كقطار سريع، أبواق السيارات تشتت فكري ولكن إزعاجها الآن أسمعه بطريقة مختلفة، شيء ما يسحبني للأسفل بقوة إلى أن بركت، وثبتُّ يداي بالأرض لأتقي السقوط.. فشعرت بافتتان شديد وحب عميق وأنا أشم رائحة الأرض، فينساب بداخلي شعور رهيب وأنا أسترجع ذكرياتي الجميلة.

ويمتد إليَ صوت أعشقه؛ علمني كيف أُشغف بحب الأرض، امتزج الماضي مع الحاضر، وتفاصيل صغيرة..  وحرقة دمع يتساقط دون إرادتي، صوته في نفسي أعاد إليَّ عراقة المكان، وهدير البحر، وهندسة العمارة، أشعرني صوته بأني طرت إلى باريس ورجعت، فربما هذا ماكنت أحتاجه، شيء يدخل السرور إلى قلبي وروحي من ملامح نحبها ونعشقها، ترسخ في نفوسنا بالعطاء والحب والثبات والصبر، هكذا صوته كان يدوي في أذني يهزني ويدعوني إلى التراجع، وكان كفيلا بطمأنتي فقوله: "أيتها المواطنة" فتح عيني، ذبذبات الصوت مازالت تخدرني. حلم جميل وحظ أجمل حبانا الله به فعاش بأحلامي.

يلقي ظلام الوباء سدوله على حاضرنا، فيغرق العالم بما لم يرَ مثله من قبل، فيأتي البلسم واللقاح من صوته وهو يقول "أيها المواطنون".

تعليق عبر الفيس بوك