سلطان المرحلة التاريخية وصانع النَّهضة المتجددة

 

 

مصطفى الشاعر

 

"لقد تمكنتْ عُمانُ بفضلٍ من اللهِ وتوفيقِه من تجاوزِ التحدياتِ التي مرَّتْ بها خلال العقودِ الماضيةِ بحكمةِ وقيادةِ سلطانِها الراحلِ، جلالةِ السلطان ِقابوسَ بنِ سعيدٍ- طيَّب الله ثراه- وتضحياتِ أبنائِها، التي ستظلُ مصدرَ قوةٍ وفخرٍ واعتزازٍ لنا جميعًا وللأجيالِ القادمة".. هيثم بن طارق، سلطان عُمان.

 

استيقظ العُمانيون في 11 يناير 2020 على ذلك الخبر الذي لن ينساه أحد منهم والذي مثل يوماً تاريخياً في مسيرة عمان التاريخية بكل ما للكلمة من معنى، ذهب السلطان قابوس -طيب الله ثراه- إلى ربه وأتى السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله-ليكمل المسير على خطى أسلافه في قيادة مسيرة عُمان الحضارية التي قدر لها منذ عرفت هذه الأرض ألا تتوقف، حينها ورغم الحزن على فراق الراحل إلا أن تلك الفرحة باستقرار البلاد وتولي السلطان هيثم البلاد كانت حاضرة في كل نفوس العمانيين لأنهم أدركوا حينها متانة وقوة الدولة العمانية التي سطرت الدروس في مراسم نقل الحكم والالتزام بالنظام الأساسي للدولة.

لقد تسلَّم حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- الحكم في ظروف استثنائية وقتها، ولم يكن يفهم الكثيرون معنى أن تقود بلاداً بعد حكم لقائد استثنائي مثل السلطان الراحل لقرابة 50 عاماً مع كل الظروف التي ترافقت بعد ذلك، وهو الأمر الذي أدى إلى اتخاذ إجراءات وتغييرات جذرية طالت شكل الدولة من الحكومة الجديدة -بعد 10 سنوات قضتها الحكومة السابقة- إلى كل مفاصل الدولة الأخرى كل ذلك والبلاد تواجه أزمة انخفاض أسعار النفط التي تبعتها أزمة مالية ثم الأزمة المستمرة حتى يومنا والتي تمثلت بجائحة كورونا التي طالت كل بقاع الأرض ولم تسلم منها أعتى دول الأرض قوة.

إن التغيرات التي شملت كل مفاصل الدولة العمانية الحديثة في العهد الجديد "رغم قصر عمره" لم يحدث مثيل لها منذ أكثر من 10 سنوات في البلاد ناهيك عن شكل منظومة الحكم وخطوات التعديلات في النظام الأساسي للدولة التي حددت شكل الحكم ومستقبله في البلاد في خطوة التي لم تكن بالسهلة لأسرة حكمت منذ أكثر 250 عامًا لتكتمل فيها ملامح الدولة العمانية الحديثة بكل تفاصيلها وتتضح فيها الرؤية للمستقبل.

إنَّ حقيقة ما حدث- بتجرد من كل العواطف- من خطوات تم اتخاذها في عهد جلالة السلطان هيثم بن طارق كانت جوهرية وجريئة ومبهرة فما أنجز بالعهد الجديد خلال وقت قصير لم يكن يتوقعه أكثر المتفائلين في مقابل التحديات التي واجهته، منذ وفاة السلطان قابوس- رحمه الله- وتأمين البلاد في ظرف استنثائي لم يكن بالهين إلى رؤية "عمان 2040" وخطة التوازن المالي والتشكيل الوزاري الجديد والمراسيم التي لم تتوقف بشكل أسبوعي تقريباً وطالت تغيرات ضخمة في كل مجالس وأنظمة الدولة التشريعية والاقتصادية والمالية والرقابية والقضائية والدبلوماسية والأمنية والعسكرية وإلخ رغم كل تلك التحديات الجسيمة التي واجهت عُمان في العشر سنوات الأخيرة -التي قد لا يسع ذكرها- إلا أنه تم تجاوزها جميعًا.

بنى السلطان الراحل- طيب الله ثراه- مع شعبه دولة قادرة على مواجهة مختلف التحديات وهو ما اختبرت فيه خلال السنوات الماضية وأثبتت نجاحها ونجاعتها خاصة خلال الفترة التي غاب فيها الراحل لتلقي العلاج خارج الوطن، وهو بكل حال من الأحوال ما ترك الكثير من الآثار التي ما زال بعضها حاضرا حتى وقت قريب الآن إنها لم تؤثر على استقرار البلاد الذي كان هم الجميع في حينها.

لقد قدَّر الله لنا أن نعيش في هذا الوطن العظيم وأن يسخر لهذا البلد السلطان الراحل- طيب الله ثراه- والذي بعد فضل الله استطاع بحكمته وإيمانه بشعبه بناء عُمان الحديثة من أول حجر، أطلقت الخطط الخمسية وانطلقت بسرعة لتترك آثارها في كل أرجاء البلاد وطالت التنمية البلاد من أدناها إلى أقصاها متحولة من دولة معدومة الملامح إلى دولة واضحة الأركان، وعلى الرغم من وجود الكثير من الأمنيات وبعض المشاريع والخطط التي لم تتحقق أو كان لها أن تكون أفضل مما كان، إلا أن ما تحقق لا يجادل فيه إلا جاحد وناكر إنه منجز كبير للعمانيين جميعاً وجب عليهم أن يحافظوا عليه للأجيال القادمة.

لا ننسى تلك الكلمات التي قالها أحد المحامين المشاهير في البلاد حين غرد قائلًا "عمان مقبلة على نهضة عظيمة بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق، تشبه في مقدارها النهضة التي أوجدها جلالة السلطان قابوس، ولكن بصورة تتناسب مع المرحلة القادمة بإذن الله"، كنا حينها في حيرة فعلاً من حجم الثقة التي دفعته لذلك وكنا نتساءل في أنفسنا هل تلك التغريدة أتت لرفع المعنويات وشد الهمم فقط!، ولكن ما هي إلا أشهر رغم قصر تولي جلالته الحكم حينها والخطوات التي أتخذت أيقنا فعلاً أن الرجل نطق بالحق حينها وأن ما تحدث عنه قد بدأنا نرى آثاره.

إن الوضع المعيشي والاقتصادي الذي تمر به البلاد لا يخفى على أحد أنه أصبح لا يلبي طموحات الجميع، وقد عبَّر جلالة السلطان نفسه في خطابه الأخير عن تقديره لتحمل المواطنين لذلك، موضحاً الأهداف من ذلك "إنَّ التجاوبَ الذي أَبدَيتُموهُ، مَعَ ما تمَّ اتخاذُهُ من إجراءاتٍ حُكوميةٍ في ظلِّ الظروفِ الماليةِ والاقتصاديةِ التي تمرُّ بها السلطنةُ لترشيدِ الإنفاقِ وتقليلِ العجزِ المالي والمديونيةِ العامةِ للدولة، كانَ وما زالَ محَلَّ تقديرٍ منا، مؤكدينَ على أنَّ الغايةَ من هذهِ الإجراءاتِ وما ترتبطُ بهِ من خُططٍ وطنيةٍ إنما هي لتحقيقِ الاستدامةِ الماليةِ للدولةِ والتهيئةِ لتنفيذِ العديدِ من الخططِ التنمويةِ والمشاريع ِالاستراتيجيةِ في كافةِ ربوعِ السلطنة".

وبعيدا عن كل الإرهاصات التي مرت، علينا أن ندرك أنه رغم قصر مدة هذا العهد حتى الآن وبالرغم من كل ما واجهه من صعوبات وتحديات جسيمة وبمقارنة بما تحقق فيه يجعلنا بلا أدنى شك مستبشرين بنهضة متجددة كبيرة تحت قيادة جلالته فحتى تنجلي هذه الجائحة وتتحقق أهداف خطة التوازن المالي وتبدأ رؤية "عمان 2040" تشق مسارها بشكل واضح فهذه البلاد مقبلة على مرحلة جديدة من تاريخها عنوانها عُمان في مصاف الدول محققة نهضة اقتصادية ستطال الجميع بلاشك رغم كل التحديات مثلما أشار جلالته في خطابه: "وبالرغمِ مِنَ التحدياتِ التي تواجهُ اقتصادَنا إلا أننا على يقينٍ بأنَّ خطةَ التوازن ِالماليِّ والإجراءاتِ المرتبطةِ بها، والتي تمَّ اعتمادُها مِنْ قِبَلِ الحكومةِ مؤخراً ستكونُ بلاشكٍّ كافيةً للوصولِ باقتصادِنا الوطنيِّ إلى برِّ الأمان ِوسوفَ يَشهدُ الاقتصادُ خلالَ الأعوامِ الخمسةِ القادمةِ معدلاتِ نموٍّ تلبي تطلعاتِكم جميعاً أبناءَ الوطنِ العزيز".

أخيرًا.. حفظ الله عُمان وشعبها الأبي وأيد جلالة السلطان بكل ما فيه من الخير للبلاد والعباد وأدامه نبراساً لأبناء هذا الوطن يهتدون به في خدمة وطنهم والالتفاف من حوله إنه سميع مجيب.

تعليق عبر الفيس بوك