تحديات التعليم الإلكتروني.. مقترحات وحلول

 

د. محمد عدنان الحموري

 

تضع أغلب الدول حول العالم ملف التعليم في المرتبة الثانية بحسب أولوياتها في ظل انتشار وباء كورونا بعد ملف الصحة، وخلال عام كامل في ظل هذه الظروف الصعبة وإذا ما حاولنا تقييم ما وصلنا إليه نجد أن الحكومات في كل دول العالم بدون استثناء واجهت صعوبات وتحديات كبيرة في إدارة ملف التعليم.

ونجحت بعض تلك الحكومات نسبياً وأخفق بعضها، وشهدنا اجتهادات وآراء وأفكار كثيرة منها قائم على تحليل ودراسات ومنها قائم على اجتهادات شخصية، بهدف الوصول إلى أفضل حل يرضي جميع الأطراف في المعادلة (أصحاب المصلحة) وهم الحكومات، أعضاء هيئة التدريس، الطلاب، أولياء الأمور، قطاع العمل، والمجتمع. وجميع الأطراف متفقين نوعاً ما على أن التعليم الإلكتروني هو الحل الأمثل لحل هذه المعضلة في الوقت الحالي.

خلال السطور التالية، نستعرض أبرز التحديات التي يواجهها التعليم الإلكتروني من واقع عملي الحالي كعضو هيئة تدريس في تخصص الإدارة الإلكترونية في إحدى الجامعات، وعملي في وقت سابق في إحدى مؤسسات التربية والتعليم، بغية اقتراح حلول واقعية من الممكن تنفيذها إذا كانت هناك رغبة حقيقية لدى متخذي القرار مع الأخذ بعين الاعتبار أن الظروف الاستثنائية تحتاج إلى قرارت استثنائية.

أولا: التشريعات والقوانين وتقسم إلى:-

  • المنصة المستخدمة لتقديم المحتوى العلمي:

وهنا لسنا بصدد إعادة اختراع العجلة أو تقديم حلول مبتكرة يجب أن نتفق على أن المنصات المتوفرة حاليًا هي الحل الأنسب، لما تتمتع به هذه المنصات من سمعة ومزايا متعددة منها الحماية الجيدة، والخبرة الطويلة، والتحديثات المستمرة، وسهولة الاستخدام وغيرها الكثير، ومن تلك المنصات Google Meet، وZoom، وMicrosoft Teams.

  • نظام إدارة التعلم:

كل مؤسسة تعليمية من المفترض أن يكون لديها نظام لإدارة التعلم الخاص بها في وقتنا الحالي، وهناك مؤسسات تعليمية في بلداننا العربية لديها مثل تلك الأنظمة من وقت طويل يتجاوز العشر سنوات وأكثر. واقتراحي أن يتم تعميم منصة (Moodle) على كل المؤسسات التي لا يتوافر لديها نظام خاص بها؛ حيث يعد نظاماً سهل الاستخدام، ومجانيًا إلى حد ما.

  • معايير التقييم

إذا ما نظرنا إلى واقع معايير التقييم المتبعة حالياً في معظم المؤسسات التعليمية نجد أن تلك المؤسسات طورت جوانب عديدة تتواكب مع التقدم الذي نشهده في قطاع التعليم ولم تطور معايير التقييم؛ حيث إنها تتبع نفس معايير التقييم المتبعة منذ عشرات السنوات ولم تأخذ بعين الاعتبار التطور الواضح على صعيد المحتوى، وأدوات التعليم الجديدة، والطالب. لذا اقترح تشكيل لجنة على مستوى وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي تقوم بوضع معايير تقييم جديدة بعد الاطلاع على أفضل الممارسات المتبعة في مختلف الدول لتواكب تلك التطورات، وتعميمها على جميع المؤسسات التعليمية والعمل بها من قبل تلك المؤسسات بشكل موحد واعتبارها دستورا جديدا للتعليم.

  • التزام الطلبة

هنا اقترح تشغيل الكاميرا والالتزام بالزي الرسمي والالتزام بأوقات المحاضرة أو الحصة الدراسية أمر مفروغ منه لا يحتاج إلى نقاش.

  • إدارة الوقت (مدة المحاضرات أو الحصص الدراسية)

يتعين الوصول إلى نقطة مفادها أن مدة المحاضرات والحصص الدراسية بحاجة إلى إعادة نظر؛ حيث إن التعليم المدمج أمر واقع وسيتم تطبيقه عاجلا أم آجلا، لذا اقترح أنه يمكن لعضو هيئة التدريس أن يقدم المحتوى على نظام إدارة التعلم ويصبح عدد المحاضرات أو الحصص الدراسية أكثر ولكن بمدة أقل، وتقتصر اللقاءات على الإجابة عن استفسارات الطلبة وحل التمارين فقط.

ثانيا: توافر الأجهزة والمعدات للمعلم والطالب

شهدنا مؤخرًا حلولا متنوعة ومحاولات مشكورة مقدمة من مختلف القطاعات العامة والخاصة ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات غير الربحية، من دعم وتبرعات لتوفير أجهزة ومعدات ولكنها للأسف ليست كافية. وهنا اقتراحي بأن تقوم الحكومة بدور الضامن للعائلات وأولياء الأمور لأموال الموردين لتلك الأجهزة وتقوم بعرضها على أولياء الأمور بدفعات شهرية بسيطة تبدأ من 10 أو 15 ريالا وبدون فوائد، نعم ستقوم الحكومات بدفع مبالغ كبيرة ولكن لن تخسر تلك الأموال.

ثالثا: أُميّة استخدام الأجهزة والتقنيات المستخدمة

هنا لا أتوقع وجود مشكلة كبيرة في هذا الشأن؛ حيث أصبح استخدام الأجهزة والتقنيات جزءًا لا يتجزأ من حياة الأفراد وخصوصا الجيل الجديد "جيل الإنترنت"، وهنا أقترح تنظيم دورات للطلبة وأعضاء هيئة التدريس الذين يشعرون بضعف في هذا المجال لمرة واحدة، بتنسيق داخلي بين مؤسسات التعليم وبدون تكلفة تذكر.

رابعا: توافر الإنترنت

هنا أقف عاجزًا عن حل تلك المشكلة؛ حيث إن قدرات الحكومات المادية متفاوتة، لكن نقدم اقتراحا متواضعا بأن يتم التنسيق بين الحكومة ومزودي خدمة الإنترنت، بتوفير أجهزة (Myfi) بأسعار تفضيلية بشكل مؤقت للطلبة غير القادرين مادياً على دفع الاشتراك الشهري لخدمة الإنترنت.

خامسا: تفاعل الطلبة

  • قبل المحاضرة أو الحصة الدراسية

هناك تطبيقات ومواقع رائعة يمكن استخدامها للتفاعل مع الطلبة متوفرة باللغتين العربية والإنجليزية قبل المحاضرة أو الحصة الدراسية ومن أبرزها: (Padlet.com)؛ وهو موقع مجاني إلى حد ما توجد به مزايا عديدة يمكن لعضو هيئة التدريس والطلبة التفاعل من خلاله قبل موعد المحاضرة أو الحصة الدراسية بشكل مسلٍ وسهل الاستخدام ويقلل الأسئلة الخارجية من الطلبة أثناء المحاضرة أو الحصة.

  • أثناء المحاضرة أو الحصة الدراسية

تتوافر المئات من المواقع التي يمكن لعضو هيئة التدريس استخدامها لزيادة التفاعل مع الطلبة بشكل كبير ومن تلك المواقع (Classtools.net)  والموقع الرائع الذي يشبه إلى حد كبير موقع YouTube المشهور ولكن مخصص للتعليم(edpuzzle.com) ، وموقعي المفضل(Quizizz.com)  الذي يعطي الفرصة لعضو هيئة التدريس لتحويل المحتوى العلمي للمحاضرة أو الحصة الدراسية إلى لعبة علمية يستمتع بها الطلبة ولا يشعرون بوقت المحاضرة أو الحصة ولا تحتاج إلى تسجيل مسبق في الموقع من الطلبة ومتوفرة بشكل مجاني إلى حد ما.

  • بعد المحاضرة أو الحصة الدراسية

هنا نصل إلى مرحلة إعطاء التغذية الراجعة إلى الطلبة بعد المحاضرة أو الحصة لتقييم أدائهم، فيمكن لعضو هيئة التدريس استخدام الموقع الذي لا يمكن الاستغناء عنه(Loom.com)  وهو موقع مجاني إلى حد ما ولا يحتاج إلى تسجيل مسبق من قبل الطلبة.

سادسا: الإحساس بالانطوائية والانعزال

هناك حقيقة لا يمكن تجاهلها إذا ما نظرنا الى العوامل التي تحفز الطلبة للذهاب إلى المدرسة أو الكلية أو الجامعة، فهناك بجانب التعلم عوامل مهمة بالنسبة لهم يجب أخذها بعين الاعتبار مثل وقت (الفرصة أو فترة الراحة) والاختلاط بزملائهم وأصدقائهم، لذا اقترح كحل متواضع لا يحل المشكلة ولكن يحد منها، العمل على تشجيع أعضاء هيئة التدريس على تقسيم الطلبة ووضعهم في مجموعات عمل كحد أدنى ثلاثة طلاب وكحد أقصى خمسة طلاب، وإعطائهم تمرينا أو حالة دراسية من جانب، للتواصل فيما بينهم بأمور خارج إطار الدراسة، ومن جانب آخر العمل مع بعضهم البعض لحل التمرين أو الحالة الدراسية وتحديدها بإطار زمني بين 15 إلى 30 دقيقة قبل أو بعد المحاضرة أو الحصة الدراسية.

سابعا: المحتوى العلمي

من خلال خبرتي المتواضعة في مجال التربية والتعليم والتعليم العالي وجدت أن بعض أعضاء هيئة التدريس يقومون مشكورين بعرض المادة العلمية على الطلبة بشكل مكثف بهدف الانتهاء من المقرر قبل الموعد المحدد لانتهاء الفصل بصرف النظر عن مستوى فهم أو إدراك الطلبة للمحتوى، لذا اقترح هنا التركيز على جودة المحتوى وليس الكم. مثال من مادة الاقتصاد عوضا عن عرض كل الكتاب أو المقرر الدراسي، التركيز على أهم المفردات مثل (البطالة، الاستثمار الخارجي، الاستيراد والتصدير، الناتج المحلي والقومي الإجمالي، فائض وعجز الموازنة، والتضخم).

وفي النهاية.. يجب توضيح نقطة مهمة بأن التعليم الإلكتروني ليس حلاً مؤقتاً لأزمة كورونا- كما يراه أو يروج له البعض- بل التعليم الإلكتروني هو تطور طبيعي لقطاع التعليم الذي لم يشهد أي تطور في مفرداته خلال آخر مئة عام، إذا ما قورن بالتطور الطبيعي الذي تشهده مختلف القطاعات الصناعية، والتجارية، والصحية، والخدمية وغيرها الكثير.

تعليق عبر الفيس بوك