الزلزال.. وقرنا الثور

د. أم السعد عبد الرحمان مكي

كاتبة جزائرية

لطالما سمعنا ونحن صغار مقولة أسطورية مفادها أن الزلزال ينجم عن حركة يقوم بها الثور، وتزعم الأسطورة ان الأرض محمولة على قرني ثور؛ حيث يقوم الأخير عندما يتعب من ثقل الكرة الأرضية بعملية تناوب لحملها من قرن ونقلها إلى آخر؛ ولا أحد كان يتساءل حينها عن المدة التي يمكن لثور اذا كان بحجم الثور المعروف عندنا في الوقت الراهن أن يتحملها؛ وهل هذا الثور المعروف عندنا بحجمة الضعيف حتى لو كان ثورا وحشيا أن يتحمل ويصمد أمام هذا الحمل الكبير للأرض بكل ما تحويه من يابسة وجبال راسيات؛ ومحيطات ممتدة بطول وعرض القارات الخمس؛ فضلا عن الغابات والكائنات الأخرى وما أكثرها؟

أسطورة قرني الثور وحمله لكرة أرضية وهي على غرابتها كنا نصدقها أيما تصديق ونحاول مع كل هزة في العقود الماضية تخيل الثور الذي هو لا يمت بصلة لثورنا الحالي طبعا؛ على الاقل هذا حسبما اعتقدناه خلال كل تلك السنوات؛ فكانت صورة الثور العملاق الممتد جسمه من أقصى الارض إلى أقصاها تتعاظم بشكل مستمر فينا؛ والمخاوف منه تكبر وتتسع بشكل مطرد مع زيادة قوة الهزات على سلم ريشتر الذي لم نكن نعرفه عنه شيئا بالأساس في حينها.

عادت أسطورة قرني الثور إلى سطح الذاكرة خلال هذي الأيام مع ما تعرفه الجزائر من نشاط زلزالي كثيف؛ حيث طبقات الأرض تتحرك في اتجاهات متباينة بالطول والعرض؛ وتتزايد شدتها وتتباين من مدينة لأخرى وتبعا لقربها من مركز الهزة، هذا النشاط المتقارب جعلني اتساءل إن كان الثور الذي تجشم حمل كرة بحجم الارض وطول عمر ها قد أصابه الوهن حتى أصبح يقلب الكرة بين قرنيه بين يوم وآخر بشكل سريع؟ أم أنه يستعجل نهاية العالم بدون صراعات بين الحضارات، على حد قول فوكوياما؟

هل نصدق أسطورة الثور؟ كما روج داروين لتطور الانواع؟ هل نبقي على الأسطورة قائمة لأضفاء المزيد من المتعة والتوجس على حياتنا لنبقي على باب التأمل والخيال مشرعا؛ أم نحتكم إلى عقيدة ما او إلى ناموس، وعلم دقيق يحدد ضوابط الكون والمتحكم فيه؟

لو كانت حياتنا كلها رهينة قرني ثور مهما بلغت قوته كيف كان مصير البشرية منذ مولدها ونشأتها الأولى منذ العصر الحجري وانتهاء إلى عصر التقنية الهشة؛ واليوم مع جائحات متواترات من روافد شتى؟ ولو كانت حياتنا فعلا محمولة على قرني ثور يقلبها أنى شاء هل كنا سننعم بالعيش ونأمن جانب الثور أم أن لا أحد سيغمض له جفن في وقتنا الراهن، ولكانت البشرية جمعاء اختارت طواعية حالة انتحار جماعي لتضع حد لحياتها افضل بكثير من أن تبقى تترقب وضربات العالم تتسارع مؤشرات الموت فيها.

عندما اعود بذاكرتي للوراء وانا أتذكر هذي الأسطورة الخالدة التي نعود إليها مع كل هزة قلب نشعر وبدون مراوغة بحنين لتلك الفترة التي الهمتنا على الاقل القدرة على التخيل ليس على نطاق ضيق ومحدود؛ لكنها فتحت أعيننا على كتلة كبيرة بحجم كرة أرضية لنتخيل هدوءها وحالات استقرارها الطويلة حين يقلبها قرن ثور إلى فوضى عارمة وجلبة وصراخ لا ينفد ويبدد مساحات الامان فيها ليلقي بها خارج الكرة نفسها إلى فضاء ارحب ارحب اسفل الكرة حيث يقيم فيه هذا الثور الأسطوري بقرنين يتسعان لحمل الكتلة كلها ويتناوب عليها بشكل عجيب غريب.

الذاكرة اليوم تعيد فتح بابها العتيق مع تزايد الهزات وارتداداتها لتقول لنا بأن كرة الارض اكبر بكثير من أن يتناوب عليها قرنان؛ هي مساحة للعيش لكل الكائنات؛ لكنها تحت حراسة عين لا تنام، وهي بيد رحيمة تقلبها أنى شاءت ووقتما تشاء، في حالات غضب جامح، وفي حالات حر شديد؛ وفي حالات اختلال التوازن الايكولوجي؛ ولكنها حتما لا تعاني الوهن والضعف؛ بل هي منزهة من كل قصور وضعف، كما أنها تراعي الابتهالات الخالصة لأهل الارض ، وتستجيب الدعاء الصاعد من الارض نحو السماء لدفع البلاء، ومع ذلك كله وبحسب عادات الأرض المتوارثة تسترسل على الدوام الأسطورة في العيش معنا وجنبا إلى جنب مع نواميس الكون ما دامت واستمرت الحياة، تماما كما تزال الزلازل تتواتر، وصورة قرني الثور راسخة في المخيال الجمعي.

تعليق عبر الفيس بوك