لقاء ولي العهد السعودي ورؤية "المملكة 2030"

 

 

يوسف بن حمد البلوشي

yousufh@omaninvestgateway.com

 

 

‎تطرق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في حديث تلفزيوني أخيرا، إلى العديد من القفزات والتحولات النوعية التي حققتها المملكة خلال السنوات الأربعة المنصرمة في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. وقد أوضحت المقابلة بجلاء جسارة الطرح والاقتناع الكامل بأهمية التغيير والذي تفرضه المتغيرات المختلفة؛ سواء كانت محلية من حيث ارتفاع معدلات النمو الديموغرافي ودخول باحثين عن عمل جُدد لسوق العمل السعودي بعدد يتراوح بين 250 إلى 300 ألف باحث جديد عن عمل، إضافة إلى النسبة المرتفعة للبطالة أصلا، والتي تصل إلى 14% والتي من الصعب التعامل معها في ظل جائحة كورونا وتداعياتها.

وأفرَد ولى العهد مساحة واسعة للحديث عن المتغيرات التي تفرض إيقاعا مختلفاً، وأوضح مبررات الإصلاح الذي يقوم به، من خلال الحديث عن استشراف مستقبل النفط في الآجال المتوسطة والبعيدة، والذي يُمثل شريان حياة المملكة، وأنه أدى دوره، لكن دُقت نواقيس التغيير؛ حيث يتعرض النفط لضغوط كبيرة في جانبي العرض والطلب، ومن غير المناسب الارتكاز عليه بشكل كبير في المرحلة المقبلة، ويجب تعظيم الفائدة منه عبر إقامة صناعات تحويلية وصناعات بتروكيماوية محلية، بدلاً من التصدير للخارج في صورته الخام. إضافة إلى جاهزية مفاصل البنية الأساسية والموارد البشرية والطبيعية وتوافر فرص عظيمة في القطاعات غير النفطية، والتي نمت بوتيرة بطيئة لا ترقى لمستوى الطموح، والحاجة لتوليد فرص العمل وتوفير الموارد المالية لمواصلة مسيرة التنمية، والمحافظة على المستوى المعيشي المناسب للمواطنين.

كل ما ذكره ولي العهد السعودي ينطبق بشكل كبير نسبياً على جميع دول الخليج بما فيها السلطنة، ولضيق المساحة سأتناولُ باختصارٍ عددًا من القضايا الأساسية التي تناولها بن سلمان في حديثه المتلفز بدءًا من أهمية تركيز جهود التنمية على المواطن السعودي؛ باعتباره صانعها، وأن اقتناعه وثقته بها أمر مفصلي؛ حيثُ إن هناك أعباء قد يتحملها في الأجل القصير مقابل مكاسب مؤكدة في الأجل المتوسط والطويل، وأن تحقيق الإصلاح والتنمية المستدامة ثمنه باهظ، والمواطن هو العنصر الأساسي في تحقيقها.

‎ففي الجانب الإداري والمؤسسي، أكد بن سلمان أهمية وجود أمانة عامة لمجلس الوزراء قوية قادرة على ضبط إيقاع مختلف الفاعلين في عملية التنمية، ويجب أن تتخلص من العمل الروتيني وما دأبت عليه في المراحل السابقة، وأن تنتهج منظورًا استراتيجيًا في أعمالها؛ إذ إن قوة الأداء واتخاذ القرار ينبعان من قوة الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وقدرتها على القيام بعمل مؤسسي، ودفع الجميع نحو تحقيق الأهداف الاستراتيجية المرسومة في الرؤى المستقبلية- وعلى رأسها رؤية "المملكة 230"- والعكس صحيح. وأشار ولي العهد السعودي كذلك في حديثه إلى أبرز خصائص وسمات الفريق الحكومي الذي يقود التغيير، وهي- وقبل كل شيء- الشغف عند المسؤول، وأن قضية الوطن قضيته الشخصية، وأن يتحلى بالجسارة التي تطلبها المرحلة بعيداً عن التقليدية والتي لا تأتي إلا بنتائج تقليدية.

‎وفي الجانب الاقتصادي ذكر ولي العهد السعودي الدور المحوري لصندوق الاستثمارات العامة في القيام بدور تنموي بارز لتحقيق النقلة النوعية وتشغيل قاطرات الإنتاج في القطاعات المختلفة، وأن دوره المالي والمساهمة المطلوبة منه في رفد إيرادات الميزانية هو صفر في هذه المرحلة، وأن دوره يتركز في الجوانب التنموية وخلق الفرص، والأخذ بزمام شركات القطاع الخاص المحلي، والدخول في شراكات أجنبية. كما أكد أهمية عدم تمييز المستثمر الأجنبي على المحلي، وأن يصوب صندوق الاستثمارات العامة ترسانته الاستثمارية نحو الداخل وليس الخارج. ومن المهم أن يكون صندوق الاستثمارات العامة معززًا لنمو القطاع الخاص وليس منافسًا للشركات المحلية، والتي يُعول عليها الكثير في المرحلة المقبلة، لتحقيق القفزة التي تستهدفها المملكة. كما يجب إعطاء مزايا تفضيلية لشركات أجنبية، لتجنب أية تشوهات، علاوة على ضرورة التخارج من العديد من الاستثمارات الحالية للحصول على الأموال اللازمة لتوسعة استثماراته في الفرص الاستثمارية المحلية الجديدة، والتي قد يحتاج أن يؤدي دورًا بارزًا في إيجادها، من خلال ربط نقاط القوة والمقومات والعلاقات السياسية معا لخلق الفرص. وفي نفس السياق، أوضح بن سلمان أهمية تبني آليات جديدة والدخول في شراكات استراتيجية بمعناها الواسع والعميق، بوصفها وسيلة لتعزيز الكفاءة والمنافسة والإنتاجية، وكذلك مساندة القطاع الخاص في النفاذ إلى الأسواق العالمية لزيادة حجم صادراته الوطنية، وجذب الاستثمارات الأجنبية وأحدث التقنيات في مجال الإنتاج والتصنيع وخاصة مع الولايات المتحدة والصين وروسيا والهند.

تطرق ولي العهد السعودي كذلك إلى موضوع ضريبة القيمة المضافة، والمطبقة على مستوى دول الخليج، وأشار إلى أن  فرض الضريبة إجراء قاسٍ، لكن يجب أن ننظر إلى الموضوع من منظور استراتيجي، وهو قرار مؤقت قد يتغير بتغير المعطيات الاقتصادية، فلا يُخفى على أحد أن سعر النفط وصل إلى صفر في عام 2020، وبالتالي إما أن نجد آليات وأدوات جديدة لرفد الميزانية العامة ونربط أحزمتنا ونهيئ أشرعتنا ونبحر في العاصفة التي تهب على العالم ولا تستثني أحدًا، أو ألا نفرض الضرائب وننحدر وندخل في دوامة الدين، وقد كانت هذه الضريبة الاختيار الأفضل للمواطن في الأجلين المتوسط والطويل، ونحن نعمل وفق خطة تنفيذية بدأ المواطن يستشعر نتائجها الإيجابية.

‎ما نريد أن نقوله هنا.. إن ثمة تقاطع وتشابه كبيرين في المحاور الرئيسية لرؤى دول الخليج العربي، وذلك نابع من تشابه التحديات التي تواجهها، الأمر الذي يدفع بمنافسة كبيرة ومحمودة لتحقيق الأهداف، وإسقاط كل ذلك على رؤيتنا "عُمان 2040"، فهناك العديد من المُبررات التي تدعونا للتفاؤل بالمستقبل، والنظر إلى الأمام بإيجابية مُطلقة تُعزز من قدرتنا على مواجهة التحديات على مختلف الأصعدة، والتعامل مع مختلف الملفات وصناعة المستقبل الذي نريده مع الإيمان بأن الحلول لا تأتي بين ليلة وضحاها، وأن الدرب نحو النجاح طويل، وتكتنفه العديد من الصعوبات. وبعيدًا عن العاطفة والكلام المرسل، فإنَّ التفاؤل الذي نرجوه يجب أن يصاحبه عملٌ دؤوبٌ قائم على خطة تنفيذية واضحة المعالم، كما إن الأمر يستلزم تحصين جدار الثقة بين أفراد الأسرة العُمانية الكبيرة؛ أفرادا وشركات وحكومة، وأن يؤمن الجميع أن هناك أدوار جديدة أكثر ديناميكية وجسارة وشغفاً وابتكاراً تختلف عن المدرسة التقليدية السائدة حالياً.

لعلنا لا نتجاوز إذا قلنا إن المعلومة والمعرفة متاحة للجميع في الداخل والخارج عن أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية المحلية ومجريات الأمور وسرعتها، ويجب عدم التلكؤ في اتخاذ التدابير الضرورية بحزم وعدالة.

والرؤية المستقبلية "عُمان 2040" تحمل أفكاراً هذا زمانها، وتفرضها الظروف ومرحلة النمو وتمكنها المعطيات الحالية. وما نريده هو أن نتحلى بالجسارة وتطبيق الأفكار التي تُساعد على اجتذاب الاستثمار وزيادة الإنتاج المحلي وتعزيز الصادرات وتمكين القطاع الخاص وتوليد فرص العمل، والاهتمام بالبعد الدولي، ووضع السلطنة على "رادار" المستثمرين الدوليين وفق خطة عمل واضحة المعالم.

ختامًا.. يجب أن نبتعد عن الضبابية والارتباك؛ فرسم طريق واضح لمستقبل التنمية لا يتأتى فقط من خلال وضع رؤية واضحة، وإنما الجهاد الأكبر يتمثل في تنفيذها وترجمتها إلى برامج ومبادرات تحولية مبنية على أسس منهجية سليمة واستقراء للواقع والمستقبل، وفهم مكامن القوة، والفرص والموارد، وربطها بمنظومة يعمل الجميع على الالتزام بها وتنفيذها.