قرنقشوة

 

أنيسة الهوتية

في منتصف رمضان من السنة الثالثة للهجرة ولد أول سبط للرسول صلى الله عليه وسلم الإمام الحسن بن علي ريحانة النبي، واحتفل قلة قليلة من المُسلمين ميسوري الحال بتوزيع السكر والحلوى على جيرانهم، ومع مرور الأيام والسنوات أصبح هذا الاحتفال عادة عند بعض المسلمين في بعض المناطق ومن ثم توسعت العادة إلى مناطق أخرى، ولربما توقفت في المكان الذي بدأت فيه ولكنها كبرت وتجددت في أماكن أخرى عن طريق أناس أخذوها تقليدًا منهم.

في الزمن القديم كان الكبار في يوم الرابع عشر من رمضان يستخرجون السكر والحلوى إلى بيوت جيرانهم الأقارب فرحة بمولد الإمام الحسن، ومع التقدم الزمني تبدلت المواقف بأن يرسل الأهالي أبناءهم إلى بيوت الجيران الأقارب لاستلام السكر والحلوى تسهيلاً على الكبار وتقديرًا لهم حتى لا يخرجوا من بيت إلى بيت، وطبعا كان خروج الأطفال بعد الإفطار وقبل صلاة التراويح ويكون معهم كبير منهم يحمل قنديلا في يده لإنارة الطريق.

ومن ثم أصبحت عادة لإدخال الفرح والسرور في نفوس الأطفال، وتعددت الوسائل والأساليب، فأصبحت بعض البيوت بعد التقدم والتطور الزمني واتخاذ هذا اليوم عادة جميلة غير قابلة للترك، تصنع الحلويات أو تطبخها بأنواع مختلفة لإفراح الأطفال، وأيضا الأمهات أصبحن يلبسن أبناءهن وبناتهن أجمل المتوفر من الثياب وأصبح منتصف رمضان وكأنه يوم عيد.

وذهب زمن وأتى زمن والاحتفال باق، لكن تعددت صوره، وأصبح القرنشوة أو القرقيعان مسمى هذا الاحتفال والاعتقاد السائد بأنَّ هذا الاسم أتى من خيال الأطفال بعد أن كانوا يضعون كمية من الحصى الصغير في علب معدنية لإصدار أصوات القرقعة في تحركاتهم من بيت إلى بيت، فأصبح هذا اليوم يوصف بالقرقيعان أو القرنقشوة، والأخيرة تحمل نفس المعنى في اللغة الفارسية أي الصوت العالي بالقرقعة.

وفعلاً أتذكر حين كنا صغاراً كان الأطفال يفعلون ذلك، وأيضا كان هناك من يحتفظ بنوع من الصخور النارية البيضاء الصغيرة ويضربها ببعضها البعض كي تصدر ضوء لامعاً جميلاً.

وبعد مئات السنين ومواكبة للتمدن الذي نعيشه طبعاً تطور الوضع إلى تفصيل أثواب ملونة زاهية يغلب عليها طابع الزهور الملونة المسمى بقماش الشالكي أو طبعة الشالكي، والتي أصولها أيضاً تعود إلى التراث الفارسي والبلوشستاني البدوي، وتوسعت المساحة للأطفال بأن أصبحوا يزورون الحواري الأخرى ولا يكتفون بحارتهم وجيرانهم، ومن ثم شارك الكبار بالعزائم والتزين لهذا اليوم، والأضواء وغيرها الكثير من الأمور التي أعطت جمالية شعبية لهذا اليوم. لكن نسوا أساس وسبب الاحتفال بهذا اليوم، والطامة الكبرى حين خرج بعض المراهقين بملابس غير لائقة، وبالطبول، وحولوها إلى حفل هالوين سخيف وشوهوا الصورة الجميلة لهذا الاحتفال.

وللأسف الشديد، مثلما أصبح العيد يوماً للزينة والكشخة وتحدي من الأجمل والأفضل، وليس كأنه يوم عبادة وفرحة للصائم، أصبح القرنقشوة مثله يوم يتنافس فيه الجميع على الملابس، والتوزيعات، والزينات، ويوم للتجارة بمختلف أنواع الأكياس، والتوزيعات، واللبسات.. إلخ.

لا أتمنى اختفاء القرنقشوة لأنه يوم جميل ويجب أن يكون بسيطا كما كان، ولكن أتمنى أن تتوقف المبالغات في الاحتفالات بهذا اليوم.

أتذكر عندما كنَّا صغارا كان أهل الحارة يوزعون "الشربت" في يوم المولد النبوي، والعصيدة، والعيش المزعفر بالسكر، والمكسرات، والحلوى، وفجأة توقف كل شيء ولم يبقَ منه شيء سوى الذكريات بعد أن توفي أغلب كبار السن ولم يأخذ من بعدهم بتلك العادة.

أما القرنشقوة فباقية، ولكنها باقية كاحتفالية شعبية دون علم أغلب المحتفلين بها أن أساسه كان الاحتفال بميلاد سبط الرسول وريحانته الحسن بن علي.

ولأنه يوم جميل، فاحتفلوا به بجمال ولا تشوهوه. وصلوا على محمد وآل محمد.