فسيفساء اللهجات العمانية

 

 

خالد بن سعد الشنفري

 

اللهجات أو الدارجة المحلية في أي لغة من وجهة نظر المحدثين هي طائفة من المميزات اللغوية تنتمي إلى بيئة خاصة، ويشترك في هذه المميزات جميع أفراد تلك البيئة، وهذه البيئة قسم من بيئة أعم وأشمل تُنظم لهجات عدة ولكنها تأتلف جميعها فيما بينها.

أثبتت نتائج دراسات قامت بها عدة جامعات على مستوى العالم، أحدثها دراسة قامت بها جامعة كامبردج أن قدرة الأطفال على التحدث بلهجتين معينتين من نفس اللغة يمنح مزايا معرفية لديهم كالأطفال ثنائيي اللغة، كالإنجليزية والفرنسية مثلا.

وفي عُماننا الحبيبة ينتشر عدد من اللهجات، وهي مزيج من العربية الفصحى والبدوية، فتنتشر البدوية في منطقة الظاهرة وفي نجد ظفار ومناطق أخرى، وهي لهجة عريقة تتوارثها الأجيال إلى الوقت الحاضر، وتختلف اللهجات العُمانية من منطقة إلى أخرى، فالداخلية تختلف عن لهجة أهل ظفار، والمنطقة الشرقية تختلف عن منطقة الباطنة، وتُعتبر لهجة مسقط (المسقطية) ومحافظة مسقط عموماً حالياً مفهومة للكل، لكونها مزيجا من أبناء كل المحافظات، وكون أغلب البرامج التليفزيونة والأعمال الفنية من مسلسلات وخلافه تُعرض بهذه اللهجة. وتعتبر لهجة محافظة البريمي ومسندم والباطنة مفهومة عند أهل الإمارات وأقرب لها، ولهجة أهل ظفار أقرب للهجة ما يُعرف بجنوب اليمن سابقا.

لا شك أن الزائر العربي الذي يتنقل بين مناطق عُمان يلحظ ذلك بوضوح، بل إن الوافدين من غير العرب والمقيمين لدينا للعمل، ومن أصبح منهم يُجيد التحدث ببعض العربية يُلاحظ انعكاس هذه اللهجات في حديثه، ويمكن التعرف بيسر من لهجته في أي منطقة من عُمان عاش سواء كانت الباطنة أو الداخلية أو الشرقية أو ظفار.

هذا التعدد في الدارجة المحلية يُعد من الفسيفساء العُمانية الرائعة باختلاف أجراس نطقها، والتي تتكامل فيما بينها في النهاية، قد يُسبب ذلك بعضا من الطرافة أحيانا، فالدارجة الظفارية مثلاً مرآة للظفاري أينما حل بأي منطقة في عُمان، فبمجرد نطقه لأوَّل جملة أو كلمة مع أخيه في الباطنة أو الداخلية أو الشرقية وحتى مسقط يأتيه السؤال المباشر تلقائياً 'أنت من ظفار؟!، كذلك أهل الشرقية وبالذات أبناء صور العفية تكشفهم لهجتهم ذات الحلاوة والطلاوة وأجراس أصواتها من أول جملة ينطقونها.

المُلاحظ للأسف الشديد في السنوات الماضية أن كثيراً من هذه اللهجات بدأ إدخال بعض الكلمات من بعض اللهجات العربية عند التحدث في وسائل الإعلام كالتلفزيون والراديو ولا يمكن إرجاع ذلك إلا لنوع من الخجل غير المسبب إطلاقا، أو يعتقد أن الابتعاد عن محليته ودارجته يجعله مفهوما للجميع. ورغم أن ذلك قد أخذ في التلاشي، إلا أننا نتمنى أن يتوقف ذلك فالعكس هو الصحيح، فتحدث كلٍ بلهجته تصبح معه كل اللهجات العُمانية مفهومة للجميع.

تخاطب أبناء كل منطقة بدارجتهم المحلية يُساعد على انتشارها ويجعلها مفهومة للجميع، قد يجد الآن شخص من الباطنة أو الداخلية بعض الصعوبة في مشاهدة مسرحية باللهجة الظفارية أو مسلسل أو عمل فني والعكس صحيح، وسيسهل ذلك في حالة انتشار اللهجات.

اتذكر في فترة السبعينات كان تلفزيون صلالة مُستقلا في بثه عن تلفزيون مسقط لأسباب معروفة، وكان بعض المسؤولين في مقابلاتهم وهم من صلالة ويخاطبون جمهورها المحلي؛ لأن التلفزيون لا يُشاهد آنذاك إلا بصلالة، إلا أنهم يحاولون أن لا يتحدثوا بالدارجة المحلية الظفارية، وقد يضطرون أحيانا لاستخدام كلمات عامية مصرية مثلاً لانتشار الأفلام المصرية آنذاك، إلى أن تلاشى ذلك تدريجياً.

كنا نُلاحظ أيضاً في الثمانينات وما بعدها انسياق كثير من فنانينا من الممثلين العمانيين في مسقط بالتحدث بمصطلحات من اللهجة الكويتية التي سبقتنا بإنتاج المسلسلات والمسرحيات.

لغتنا العربية الجميلة محفوظة في أفئدتنا كعرب ويُرسخُها قرآننا، إلا أن المحلية أو الدارجة أسهل على الشخص في التعبير؛ وتعتبر بمثابة لسانه الأم، أو كما يُطلق عليها بالمصطلح الإنجليزي (ماذر تانج).

ألا يجب أن نشجع محليتنا فهي بمثابة هوية محلية لنا؟

تعليق عبر الفيس بوك