لبنان.. فكوا كربته!

علي بن حمد المسلمي

الوطن العربي الكبير من المُحيط إلى الخليج، وطن يجمعه تاريخ مشترك، ولغة واحدة، ووشائج المودة والقربى، يقول الشاعر العربي فخري البارودي:

بلادُ العُربِ أوطاني منَ الشّـامِ لبغدان

ومن نجدٍ إلى يَمَـنٍ إلى مِصـرَ فتطوانِ

ويطلق اسم بلاد الشام قديماً على سوريا وفلسطين والأردن ولبنان. ولبنان هي قبلة العرب ومصيفهم في أيام الرخاء، وهي الوعاء الثقافي في بدايات عصر التنوير العربي التي تناثرت حبات العقد منه إلى بقية الدول العربية الأخرى.

اليوم لبنان تئن تحت وطأة الخلافات والتجاذبات بين السياسيين، والشعب يئن تحت وطأة الفقر وكورونا، والدول الصديقة تقدم المبادرات تلو المبادرات لحل المعضلة ولكن كما يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:

إِلامَ الخُلفُ بَينَكُمُ إِلاما

وَهَذي الضَجَّةُ الكُبرى عَلاما

وَفيمَ يَكيدُ بَعضُكُمُ لِبَعضٍ

وَتُبدونَ العَداوَةَ وَالخِصاما

هذا الخلاف يُثقل كاهل الشعب اللبناني، ويؤثر عليه ويتأثر من حوله، وله تداعيات سلبية تؤدي إلى عواقب وخيمة على مر الأيام و"الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى".

الشعب اللبناني شعب صبور ومضياف ومحب لعروبته، ومعتز بلغته العربية وبإسلامه ومسيحيته، ويقدم العون والمساعدة للضيف، ويقدم خدماته لوطنه الكبير، ولاسيما أنه من دول الطوق العربي، ويلتمس من أبناء العروبة السند في محنته، والوقوف صفاً بجانبه حتى يعبر بسلام عن عين العاصفة.

وإصلاح ذات البين خلق إسلامي رفيع، ومن أعظم القربات إلى الله فالتوفيق بين الأطراف المختلفة، والصلح بينها من مبادئ الدين الحنيف قال تعالى "وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ"؛ فالثالوث الجاثم على أرضه يتطلب إطعاما في يوم ذي مسغبة، ولا سيّما ونحن في الشهر الفضيل الذي يتضاعف فيه الأجر والثواب قال تعالى" أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ".

فالفقر كما يقول الإمام عليّ كرم الله وجهه "لوكان الفقر رجلا لقتلته"، فهبوا إلى الدثور العلا؛ حتى تنالوا الدرجات العليا فحينما جاء الفقراء إلى رسول الله يشتكون قَالُوا لِلنَّبِيِّ: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ".

فالصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ النار الحطب، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، ولا سيما وأن هذا القريب من ذوي القربى يشدُّ بعضه بعضا كما جاء في الحديث الشريف "المؤمن لِلْمؤْمن كالبُنْيان يَشُدُّ بَعْضُه بَعْضا".

فالوطن العربي كالجسد الواحد، إذا أصاب الوهن عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: "يُوشِكُ أن تَدَاعَى عليكم الأممُ من كلِّ أُفُقٍ، كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها".

تعليق عبر الفيس بوك