مؤرخ أم ناقل خبر؟

 

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

 

"لا يأتي المؤرخ إلى الوثائق والشهادات بكيفية اعتباطية، فمهمته الأساسية تكمن في إيجاد توازن معقد بين ما تقوله المصادر، وما يقتضيه فهم الأحداث والظواهر من تفسير وتأويل"، عبدالرحيم الحسناوي.

----

 

يقول الفيلسوف الفرنسي بول ريكور: ليست هناك وثيقة من دون سؤال، ولا سؤال من دون مشروع تفسير،  أي إن تتبع أحداث التاريخ وتأريخها والتعامل مع أدواتها كوثائق ومخطوطات وغيرها، لايمكن التعامل معه دون طرح أسئلة بديهية أو علمية، أو كذلك يُبين الفيلسوف الفرنسي ألا سؤال دون مشروع تفسير، وهنا ندخل خانات تحليلية وتأويلية، وإجراء دراسات بحثية حول حدث ما، وماهيته وما هي مؤثراته على الوضع أثناء وبعد وقوعه في منطقة الحدث وما حول منطقة الحدث؟ والتأثير على من تأثر من هذا الحدث. إذ ليس بالسهولة ولا بالشئ العاجل التعامل مع وثيقة أو مخطوطة تخص حدث تاريخي له تأثير مباشر أوغير مباشر على أحداث آنية أو مستقبلية لهذا الحدث.

من يقرأ التاريخ يجد أحيانًا ثغرات بين فترات تاريخية معينة، وكمثال إبان الخلافة العثمانية عانت الجزيرة العربية من ظلام علمي وندرة في تدوين الحوادث التاريخية، خاصة الفترة ما بين الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة ما قبل عهد الملك عبدالعزيز، وكذلك معاناة في ندرة المادة المصدرية للفترات ما قبل عهد الشيخ مبارك الكبير، وهناك من ينفي ذلك ويؤكد أن مراكز الحفظ المتخصصة بوثائق ومحفوظات الدولة العثمانية ما تزال في اسطنبول بتركيا وتحوي الكثير من الوثائق حول تلك الفترة التي أسماها الكثير واسميتها أيضا في السطور السابقة بأنها "مظلمة". أتذكر هنا كتاب نادر للباحث التاريخي الكويتي طلال الرميضي الذي أصدر كتابا قيما بعنوان: "الكويت والخليج قي السالنامة العثمانية"؛ وهو من الكتب النادرة في طريقة تأليفها، وكذلك قبل عدة أشهر أهدى مركز الأبحاث التابع لمنظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول للسفير الكويتي في تركيا السيد غسان الزواوي كتابًا قيمًا بعنوان: "الكويت في الوثائق العثمانية"، تضمن وثائق من أرشيف الوثائق العثمانية متعلقة بالكويت في الفترة بين عامي 1850- 1900 ميلادية.

لا شك أن هناك كتابات منشورة حول عدة أحداث في الفترة السالفة الذكر ولها التقدير، بغض النظر عن الرأي العلمي فيها؛ لأن أي جهد مشكور يصب في فتح آفاق للتاريخ يستحق الدعم المعنوي على الأقل، بسبب الصعوبة البالغة في تتبع الحوادث ومصادرها ومراجعها إن وجدت، ولعل أهم المصادر هي قصائد الشعراء في ذاك الوقت الذي كان يعتبى به الشاعر يوازن وكالة أنباء أو وزارة إعلام لقبيلته أو قريته.

وما دام الشيء بالشيء يُذكر، فقبل أيام وصلتني رواية للكاتب العماني سعيد السيابي بعنوان "الصيرة تحكي"، ولاحظت أن الرواية من نوع الأدب الروائي التاريخي؛ حيث يشعر القارئ أنه في الحقيقة يقرأ كتابًا تاريخيًا يوثق المقاومة العمانية للاحتلال البرتغالي من خلال بلدة قريات؛ حيث تدور أحداث المقاومة (1).. وهنا أتساءل كقارئ بسيط ما هو هذا الكتاب، رواية أدبية عادية أم كتاب تاريخي؟

ثمة تساؤلات كثيرة حول الرواية التي سلط الضوء عليها في أكثر من مطبوعة ومنصة، ويثبت هذا الأمر أن الكتابة الجادة- حتى وإن كانت روائية- فلها الجمهور المتعطش، على عكس ما يتم تداوله بأن الكتابات غير الجادة هي الأبرز على الساحة، وأن التاريخ- وإن كان على شكل رواية- يحظى بمتابعين كُثُر.

كتبتُ أكثر من مقال بخصوص الأهمية القصوى لتحليل حوادث التاريخ؛ لأنها قد تقود للحقيقة الأقرب على اعتبار صعوبة الحصول على الحقيقة بنسبة 100%، كذلك علينا أن نتعامل مع المؤرخ ليس على أنه شبه مذيع يذيع خبرًا ينقله من مصدر ما؛ بل نتعامل مع المؤرخ كباحث عن الحقيقة يؤرخها ويوثقها ويحلل المعلومة كذلك.

____________

  1. بإذن الله قريبا سيكون هناك مقال يسلط الضوء على الرواية المميزة "الصيرة تحكي".