كفانا جماعيات

شاكر بن حمود آل حموده

أكتُب عن حالة باتت اليوم إحدى أهم إشكاليات الحداثة، وتعبر عن خدش في جبين القيم الفاضلة وأصول التربية؛ فمن لا يسأل عنك وتُذكِّره فقط بعض الحالات في أوعية مواقع التواصل الاجتماعي المتناثرة، أو ربما الغياب عنها كالذي لا يعرفك إطلاقا ولم يسبق له أن التقى بك، وعندما يلاقيك صدفة يبادرك بمثل هذه العبارة: "وينك؟ مختفي.. لك وحشة!!

ينثر يوميا بودكاستات ورسائل جماعية ما بين جَمعية وجُمَعِية ومجموعات مثقلة بوابل من الرسائل ما بين مُبشر ومُنفر: صور وفيديوهات وإعلانات تسويقية وأخبار تشتت الذهن والعقل، وتسوق لأفكار ومواد ومحتويات وأيديولوجيات شخصية أو جماعية وممارسات خاطئة، كل ذلك وأكثر حتى أصبح العقل لا يميز بين الغث والثمين والعياذ بالله، نعم كل ذلك بضغطة زر واحدة، أو إعادة توجيه، لدرجة أن مرسلها لم يقرأها قبل أن يصدرها، فتعاظمت الطاقات السلبية وضعفت الطاقات الإيجابية!

مُتجاهلا أنَّ لديه أخوة وأصدقاء تمتلئ بهم ذاكرة هاتفه، يرسل إليهم يوميا عشرات الرسائل الجماعية دون أن يرد على رسائلهم المباشرة، حيث تندثر تلك الرسائل المباشرة تحت كثبان الرسائل الجماعية، تبقى تلك الرسائل تصل للجميع دون أن يعلم عن أحوالهم؛ فمنهم المريض، ومنهم من يمر بظروف وكرب وأحوال صعبة، وربما منهم من لاقى ربه ورحل وآل الهاتف لحي آخر. نعم قد يبقى لا يعلم عنهم شيئا، مستمرا عن جهل وبفعل تجهيلٍ بأصول التواصل مع من هم باتوا أمواتاً من أشهر أو سنوات!

أيُّ غبنٍ قد وصلت إليه العقول بهذا التقليد والسلوك المشين والواقع المرير؟!!!!!!

فقدنا التواصل المباشر والسؤال عن الأحوال والاطمئنان، والمجالسة مع أحبتنا وأصدقائنا، فتحولنا إلى أدوات وروبوتات من لحم ودم تعمل عمل أجهزة الرد الآلي.

عودوا إلى صوابكم ورشدكم، وتفقدوا أحبابكم وجُلَّاسكم وأصدقاءكم؛ فلرُبما هم أجساد مُسجاة في المشافي، أو لربما رحلوا إلى بارئهم وأنتم لا تعلمون.

أطفالُكم لم يعودوا يحسبون حسابا لتوجيهاتكم ولا الإصغاء إليكم، ما يهمهم منكم المال وشراء الأجهزة اللوحية والتسوق والترفيه. نعم، فقدوكم كآباء ومسؤولين عنهم بفقدهم لمجالستكم والتوجيه والتبصير، فقدوا التربية الإسلامية والوطنية والمهارات اليدوية وحتى العقلية!! اعتمدوا على إنجازكم لمهامهم الصفية لتضمنوا لهم العلامات النهائية، عبر التعلم عن بُعد، بنجاح فارغ وتميز مغلف!! ابتَعَدُوا عن مُناسباتكم كما ابتعدوا عن أقرانهم، ولم يعودوا يلتقون بأقاربهم ولا يزورون أرحامهم، منزوين في محيط غرفهم وأجهزتهم، ضعُفت المعاني فضاعت الأماني.. فكما تدين تدان، عندما عاملت من هم أكبر منك بشبه ذلك عُوملت ممن هم أصغر منك بأشد من ذلك، فلا تغضبوا من مسألة تشظِّي الاحترام والجهل بالقيم والأخلاق إن لم تجد التزامها في أبنائك؛ لأنك بالطبع فرطت فيها مع آبائك.. هذا هو الحق المبين والدَّين العظيم.

لا تكسروا خواطر آبائكم وأمهاتكم وكبار السن الذين ربما لم يُخلق هذا الشتات الذهني والعقلي والدِّعَةِ والكسل في زمانهم، فعاشوا بنقاء وصفاء يعلمون عن أحوال بعضهم البعض (في زياراتهم لبعضهم)، وعملهم الجماعي في (الأموال والبساتين)، تعاملوا بسجيتهم ومحبتهم ولم ينقطعوا عن زيارتهم ومجالستهم، كانوا جسدا وروحا ليسوا كأمثالكم أجساداً والأنفس مشتتة في أمور لا تسمن ولا تغني، لو حسبتها جيدا في ختام يومك لن تجد لها مُحصِّلة غير الضياع للوقت والعمر والجهد والمال، مُورِّثةً ضعف الإيمان والبُعد عن مخافة الله والوازع وغياب الأرزاق والبركات في الصحة والأحوال والأموال. يتوجب علينا أنْ نُوازن بين الثابت والمتحول، بين الأصالة والمعاصرة والحداثة.. العودة إلى الدين وفضائله وواجباته ومنهيَّاته وقيم الفرد ومرتكزاته وأخلاق المجتمع وضبطياته.

تعليق عبر الفيس بوك