أنيسة الهوتية
"حريَّة شخصية".. جملة لو كان لها صوت ولسان لصرخت دفاعًا وتبرئة لنفسها عن الاتهامات الموجهة ضدها، والمفهوم الخاطئ المروَّج عنها! ولو كان لها قدمان لهربت من مكانها الذي زرعوها فيه لاستخدامها كشماعة لتلبية الرغبات والاشتهاءات النفسية البشرية.
و"الحرية الشخصية" ليست سماء مفتوحة بلا حدود، يَسْرَح ويمرَح فيها من يشاء ويفعل ما يريد! بل هي أرض لها جاذبية وضوابط ومنطق وقيود، وكل يأخذ منها ويعطيها بميزان لا ينقص ولا يزيد. وما يجهله المطبلون والمتحججون باسم الحرية الشخصية مهاجمين الإسلام بها، أنَّ هذا المبدأ كان من أوائل المبادئ التي نزلت مع رسالة الإسلام؛ فالإنسان ولد حرًّا لا يستعبده أحد، له الحق أن يأكل ويشرب ويلبس ما يريد، وله حرية الكلام والتفكير، والنقاش، والتعلم، والعمل، مثلما يريد وأكثر من ذلك، مع شرط أن يلتزم بمعايير حريته الشخصية، فلا يتعدى على حريات غيره، أو على أنظمة وقوانين الدين والدولة والعرف المجتمعي.
أما من يجاهر علنا بأفعال وأقوال منافية للأخلاق بحجة: "هذا أنا، وهذه حريتي الشخصية، أفعل ما أريد، وأقول ما أريد"، فإنه ليس سوى إنسان جاهل فاسق، نسأل الله له ولمن مثله بالهداية؛ لأنهم إن لم يهتدوا فإنَّ الأجيال القادمة ستعيش ضلالا، وإن كان منهم اليوم عشرة فغدا سيكونون عشرين، وهم أشبه بمن وصفتهم الآية 19 من سورة "النور": "إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون" صدق الله العظيم.
ويتصور البعض أنَّ من يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا هم الكفار والمشركون واليهود، ولكن الواقع المؤلم أنَّ هناك أشخاصًا ولدوا من ظهر الإسلام يسعون لذات الفساد وهم أكثر فتكا وأشر بغبائهم. كالفتاة التي تتخلى عن حجابها بحجة أنها حرية شخصية وأيضا قناعة! وللأسف حتى كلمة "قناعة" يتم استخدامها في غير محلها؛ فالقناعة تعني الرضا بعطاء الله وبالمقسوم، والقناعة هي الاستغناء بالحلال الطيب عن الحرام الخبيث، أما ترك الحجاب واللباس المحتشم المفروض فرضا واجبا على المرأة المسلمة فلا يجب أن توصف بكلمة "قناعة" أو بجملة "هذه قناعتي"، خاصة إذا كان الشخص قد أتى من بيئة محافظة!
أو كالشاب المستمِّر في علاقاتٍ كثيرة بغير زواج وهو مقتدر عليه بحجة أنها قناعته الشخصية! ولا أدري أي قناعة يتحدث عنها وفعله دليل على عدم القناعة بامرأة واحدة كزوجة خالصة له على سنة الله ورسوله! تكون له أرضا يستوطنها، وأن تلك التجوالات في أراضي الآخرين ليست قناعة، بل هو نهم وشره ومرض وطمع.
هذه ليست حريات شخصية بل اعتداءات على الدين، والأخلاق، والعرف، من أشخاصٍ تصرفوا بغباءٍ واضح تقليدا لغيرهم، أو سعيا وراء مآرب مشبوهة، أو بحثا عن السعادة في غير محلها! وأحيانا كثيرة أفكر: لماذا الدول الإسلامية التي ألزمت الرجال بلبس الملابس الرسمية، لا تُلزم المرأة كذلك على الاحتشام كالحجاب، والملابس الفضفاضة وإن كانت ملونة؟!
وأتمنَّى من كل إنسان مسلم آمن بالله ورسوله، أن يفكر قبل أن يتبع هواه ورغباته أن هناك صغارا سيكبرون، منهم أبناؤنا، وأبناء إخوتنا وأهالينا، لا نريد أن نكون أمثلة سيئة لهم ولا أن يقال بأن هذه أم فلانة أو هذا أبو فلان، فلا تكونو رموزا سيئة لأبنائكم، أو وصمة عار لذكرى آبائكم الأخيار. حافظوا على مكانة من ربُّوكم في المجتمع، وابنوا مكانة لأبنائكم كي يفتخروا بكم. وتقربوا إلى الله سبحانه وتعالى بالتقوى، فمن نال محبة الله ورضاه نال سعادة الدنيا والآخرة.