رُبَّما!

فاطمة الحارثية

نظرية تفكيك العالم أو الطوفان الحديث، أشعلت العالم حيرة؛ فالمجتمعات تحمل في طياتها حاجات عديدة؛ منها الاقتصادية ومنها الاجتماعية، وحاجات أعمق أيضا، إذا ما احتسبنا أنانية وشهوات الإنسان في رحلة حياته القصيرة جدا، ومدى قدرته على الاستمتاع الكامل عليها، هذا إذا افترضنا أنه إنسان سليم، لا يعاني جسده من خلل -يمنع عنه بعض متاع الحياة الدنيا كالأمراض أو الإعاقات- ولسنا كذلك على ثقة تامة فيما دونه التاريخ عن من سبقنا، وكيف تعاقبت الحضارات أو تشكلت، بغض النظر عن صانعها أو من اشتغل عليها، فمنذ أن حرف الناس الكُتب السماوية سقطت مصداقيتهم في تدوين الحقائق وتاريخهم.

وإذا ما افترضنا أن طبيعة الناس ذاتها لم تتغير عبر العصور، وخوفهم في تشابه متمثل في غريزة البقاء، فجميعنا يستطيع أن يُجزم بمدى وحقيقة وجود حرية التعبير وتأثير هذه الحرية، وأيضا تباين قدرات الناس على فهم الحقائق من زوايا ونواحٍ مختلفة؛ فقراءة الأحداث لا تُشبه بعضها البعض بيننا، ولن يتقبل زمرة من الناس ذات الأمر بذات المعنى والصورة.

في فَوضَى النظريات، نجد أنَّ لكل نظرية صانعًا، ولكل تغيير حاجة أوجدت وجوب الفعل، ومنذ زمن تبادُل المواد في المتاجرة، إلى زمن العُملات النقدية، ما زال الإنسان يستخدم ذات المفاهيم وإن اختلفت الأدوات، ولا شيء يدوم، ولا جديد أو جيد يبقى دون صدأ؛ فلقد انهار اقتصاد العالم في جولات شبه قريبة من بعض، ما بين عقد وعقدين نجد طفرة جديدة، ما تلبث أن تتحول إلى نظام، ثم يأتي القديم ليعود ظهوره في عمليات التجريب، وكأن الأبناء يُعيدون مفاهيم فعل الأجداد، بطرق إن اختلف ظاهرها يُؤكدها الباطن، كتعاقب اتباع أنظمة نظرية الإدارة الاشتراكية والإدارة البيروقراطية؛ إننا نستطيع أن نلمس التعاقب والتكرار في سلوك الناس وأفعالهم، إنها ذاتها في حالة اليُسر وما يتبعه من أعمال وأفعال تؤدي إلى حالة عُسر، ثم اتباع الحلول ذاتها لتعود حالة اليُسر، وهكذا نجد أن للعالم دورة حياة ثابتة قد لا يعترف معظمنا بها، لذلك من السهل أيضا تعاقب ذات الحلول كدوامة لا تأتي بجديد حقيقي، وعمر الإنسان المحدود لا يسمح له أن يخرج من الدائرة الكبرى فعليا.

رُبما تقلُّب الاقتصاد، والأوبئة، وهيجان الطبيعة، والحروب، وخوفَ الناس.. عوامل بكل بساطة تؤدي إلى ظهور الطوفان، ولكن هل الأرض تنفض ما عليها من فساد أم الإنسان -وهو في انتشائه- يُبيد وجوده دون أن يُدرك؟

------------------

سمو..

إذا ما قبلنا وأقررنا بحقيقة "تفكيك العالم" فلماذا؟ وإلى أين المصير؟ ومن سيبقى في هذا الزحام؟