إلى جدتي فقيدة القلوب

 

خالصة بنت علي السليمانية

لقد رحل الذين زيَّنوا البيوت بالخير والبركة، وفتحوا أبواب البيوت لكل الناس، وكان فيها حس جميل أعطى الحياة طعمَ البِر والإحسان.

لقد رحلت جدتي، وكانت آخر أجدادي الذين رحلوا قبلها.. رحلتْ في ظُلمة الليل بعد أعوام كانت فيها طريحة الفراش، شيئاً فشيئاً كانت تفقد قُواها، حتى أصبحت لا تعلم من بعد علمٍ شيئاً، كانت نائمة في هدوء، إلى أن أيقظاها الفراق، رحلتْ كأنها طفلة صغيرة، ولدت بتجاعيد شوَّهت جسدها. لم يُخفِ سوادُ الليل الحزن والألم، سقطت العبرات، ومر شريط الذكريات بين عيني، يلتقيه قلبي الذي فُجع لفراقها، كم أَفرحت طفولتي بحلوى دسَّتها في مندوسها، وكم من المراتِ ذهبنا لجمع الرقاط لأبقارها لتعطينا حلوى. أتذكَّر حين كُنت صغيرة، أمرتني بإحضار قَطرة ماء في الوعاء المخصَّص لصنع أقراص الصندل، كنت أعلم أنَّ قطرة ماء تعني القليل، فمازحتها في ذلك اليوم، وجلبتُ قطرة ماء فعلاً، سألتها يوماً وأنا أسمِّع لها بعض سور القرآن الكريم: لماذا لم تُكمِلي حفظ جزء عم؟ قالت: كُنت أساعِد أهلي في الأعمال ولم يكن لي مُتسع من الوقت. كانت لا تنام بعد الغداء، تفعل أيّ شيء لقضاء وقتها إلى صلاة العصر (صنع المجامع، تعديل ملابسه بالخيط والإبرة)، كانت كريمة، تصنع الطعام وتُشرِف عليه إذا حضر ضيوف لتقدِّم أفضل ما عندها، وترسل الخبز إلى من لم يجد من يصنع له الخبز، كانت كقطعة السكر، أحبت السُّكريات والحلويات، كلما لا يضبط عمل الحلوى تقول المهم أنه لذيذ به سكر، الحمدلله عافنا الله من مرض السكري وعافاكم جميعاً.

تعلّق القلب بها وانكسر الفؤاد لرحيلها، كأنها ما زالت نائمة في فراشِها تنتظر زوَّارها ليسلِّموا عليها ويسألوا عن حالها.

رحلتْ عن الدنيا إلى دار الحق، وبقيت في قلوبنا عزيزة غالية، نغرف من الذكريات التفاصيل الجميلة التى لطالما عِشنَاها لنواسِي بها أنفسنا بالفراغ الذي تركه رحيلها.

جدتي، ريحانة البيت، سنذكرك في دعائِنا دوماً.

--------------------------

رحله البِر والإحسان؛ مثل العجلة، تدور لتجد ما فعلته في نقطة البداية، ستجده في نقطة النهاية، إن كان خيرًا أو شرًّا؛ لذلك كبار السن العاجزون عن الحراك رحلة مليئة بالعطاء والإحسان والصبر والموعظة، نعيشها في حياتنا، فلنُحسِن إليهم كما أحسنوا إلينا قبل أن يُغادر أحدٌ منا الدنيا.. اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين أجمعين.

تعليق عبر الفيس بوك