الاستعداد النفسي للصيام

رحمة بنت منصور الحارثية *

 

قال تعالى: "وَأَن تَصوموا خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم تَعلَمونَ" - صدق الله العظيم

الصيام له فوائد لا حصر لها: جسدية ونفسية؛ فمن الناحية النفسية ما إن يبدأ الانسان بالتكيُّف على الصوم من مواعيد الإفطار والسحور؛ وذلك النظام الدقيق الذي ينعكس على الساعة البيولوجية للفرد، يكون هناك خضوع للجسد وسكينة أمام قوة وصفاء الروح.

سكينة الصيام والهدوء للجوارح تنعكسُ على هرمون السعادة الذي يسمى"الإندروفين" في الدماغ، ويعمل على التخفيف لمن لديه بعض الاضطرابات النفسية؛ كالاكتئاب والقلق...وغيرهما. الصوم مدرسة لتهذيب النفس والتحكم بالذات، ومقاومة الغضب، والتغلب على الملذات، والسلام النفسي والشعور بالرضا؛ لأنَّه يُحسِّن المزاج ويقلل القلق والشعور بالكآبة، ويخفِّف الأرق الليلي ويتحكم في الأفكار السلبية ليخلق توازنا فكريا تشوبه الطمأنينة والسلام النفسي. إنَّ الصيام يقوي الإرادة والعزيمة ويقلل الشعور بالعجز واليأس، ويقلل الضغوط، ويسهم في علاج الإدمان بأنواعه، ويعمِّق الإحساس بالآخرين، ويعزز الروابط الأسرية، ويكبح جماح الغرائز بأنواعها، ويعزز سيطرة الفرد على سلوكياته، وينشِّط لدى الفرد ضميره الحي تجاه صراع الفكر والكم الهائل من زخم العواطف المتضاربة بداخله.

الآثار الإيجابية للصيام على الحالة النفسية غالبًا ما تعتمد على خوض الإنسان للصيام كتجربة روحانية كاملة وليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب. وشهر رمضان له ميزات دون غيره من شهور السنة، وباتت لا تخفى على أحد. ولا بُد من الاستعداد النفسي والجسدي لاستقباله وتوديعه. من ثم يجب إعداد برنامج متنوع يلتزم به الفرد والاسرة. وشهر رمضان المبارك يأتي بحلته النورانية فمن اغتنمه كسب وفاز وظفر. شهر تُوِّجَ بالأفضلية بين شهور العام لا بُد أن يتنافس فيه المتنافسون. كل منا بلا شك وضع برنامجاً فردياً أو جماعياً من ناحية العبادات والمناشط الرياضية والاجتماعية. بطبيعة الحال العام الماضي كان وضعاً استثنائيا لدول العالم قاطبة مع كل المستجدات التي طرأت، إلا أن للشهر الفضيل سمة روحية ثابتة أمام عواصف المتغيرات كفرصة لتنقية النفس من الحقد والبغضاء والغل والحسد. التعوُّد على الغذاء الصحي وممارسة الرياضة، وفرصة لتعديل سلوك معين واستثمار أوقاته ليخرج منه الفرد مكللاً برضا النفس على ما قام به ويكون له حافز بمواصله ما قام به من تغييرات أضافت إيجابية لروتينه اليومي من مناحٍ عدة.

اللهم اجعلنا ممن أدركتهم رحمتك ومغفرتك وعفوك وعتقك، واغفر اللهم لأنفس استعدت وتاقت لاستقبال رمضان، إلا أن المنية سبقتهم للقائك، ولمن رحلوا لسنين مضت، وارفع اللهم البلاء وأنزل الدواء وأعنا اللهم على أنفسنا.. ودُمتم بنفوس مستقرة.

 

* إخصائية نفسية

تعليق عبر الفيس بوك