مدرين المكتومية
هناك عبارة جميلة تقول: "الحب ليس هو الحاجة العاطفية الوحيدة لنا؛ فمن بين احتياجاتنا الأساسية حاجتنا للأمان، والثقة بالنفس، والإحساس بالأهمية"، وهو ما قاله الكاتب جارى تشابمان في كتابه "لغات الحب الخمسة".
هل يُمكن أن نتفق مع تشابمان أنَّ لغات الحب فعليًّا هي خمس كما ذكرها، أم أنَّ مقاييس الحب تحكمها اللحظة وتتغيَّر بتغيُّر الأزمنة والأجيال...؟ أم أنَّ الحب بالنسبة للبعض منا كأي ثوب يُمكن أن يرتديه ويخلعه في الوقت والمكان الذي يريد، دون أن يلتفت لثمنه...؟ ولأننا نختلف كأشخاص، وتختلف أذواقنا أيضا فإنَّ البعض منا سيسعى للتخلص من ذلك الثوب العتيق عند أقرب حاوية يُصادفها، في حين أنَّ البعض الآخر سيقدِّر ويثمِّن قيمته، وبالتالي سيرتديه مهما مرَّ عليه الزمن، وإن لم يكن يصلح للارتداء، فإنَّ صاحبه سيسعى للاحتفاظ به في خزانته رغم اهترائه وتمزُّقه!
الحبُّ كأي شيء في الحياة يحتاج رعاية دائمة، ومضخَّة قوية تُضَخ من خلالها كل مفاهيم المودة والرحمة والعطف والاهتمام؛ ليظل محافظًا على رونقه وبريقه.. حب مُتجدِّد ومتوازن، حب لديه القدرة على تحويل التعاسة للحظات من الفرح، حب يطير بصاحبه نحو عالم لا متناهي؛ فهو مشاعر حقيقية تجعل الطرف الآخر يشعر دائما بأنه "استثناء"، وكأنه يعيش في عالم العجائب وفي مدينه مليئة بالسعادة، يعيش في عالم ممراته طويلة، وطرقاته لا تحوي سوى لافتات الأمل، عالم مسَاراته لا نهاية لها، يسجل في كل لحظة من لحظاتها ميلادًا من الفرح.
وبالعودة لتشابمان، فإنَّني أتفق مع أنَّ الحب يحتاج لتعبير، يحتاج كلمات منمَّقة، كلمات مغلفة بالامتنان ومشاعر النبل، تحتاج لشخص دائما يردِّد على مسامعك أهمية وجودك في حياته؛ فالتعبير عن الحب يوقعك في شباكه في كل لحظة: لحظة الانبهار الأولى، لحظة الارتباك الأولى، تلك اللحظة التي لا يُمكن نسيانها على الإطلاق.
... إنَّ الحبَّ كما ذكر الكاتب في كتابه "لغات الحب الخمسة" يحتاج لمن يُعبِّر عنه بشكل دائم، في المواقف والأحداث، وفي اللحظات المباغتة، كما أنَّ هذه اللحظات تحتاج دائما لعربون تأكيدي، كتقديم الهدايا خارج المناسبات المعلنه، واختلاق أوقات يتشارك فيها الطرفان القيام بمتعة من متع الحياة، وأيضا يحتاج دائما لكلمات التأكيد: أفعال الإثبات بأنَّه لا يزال كأول مرة، وأول لقاء، وأول اعتراف، وأول نظرة، وأول لمسة يد، دائما يحتاج للبدايات الجميلة للأشياء.
الحبُّ لا يقوى إلا بشعور الطرف الآخر بأنَّ هناك من يقدم له كل ما يريد، من يمد له يد العون في الكثير من المواقف، وأخيرا يُؤكد على أهمية الاتصال الجسدي الذي يقوِّي العلاقة وينشئ روابط متينة بين الطرفين، وبالطبع هو يقصد بذلك العلاقة الزوجية.
ومع كلِّ هذه الطرق للتعبير عن الحب، أنا أرى أنَّ أساس كل شيء هو: "الاحترام، والتغاضي"؛ الاحترام الذي يجعلك تتريَّث قبل اتخاذ أي قرار، قبل أي ردة فعل، قبل أي مواجهة، تجد نفسك لا شعوريا تتقبل الأشياء حتى لا تخسر العلاقة أو تفقد نقاط الالتقاء بينك وبين الطرف الآخر، فتسعى لأن يعم الاستقرار بينك وبين شريكك، الاحترام يجعل الطرفين في حالة من النقاش والتجاوب والشعور بالمسؤولية تجاه العلاقة، وأيضا تجدهما غير قادرين على التهاون فيها أو قبول أي شيء يمكنه أن يؤدي بها لمفترق طرق.
كذلك التغاضي، الذي يجعل الأشخاص يتسامحون وينظرون للأشياء من زواية "الأعذار"؛ فكل تصرف غير متوقَّع يعزونه لسبب معين، حينها تجد أنَّ الحياة تستمر دون أي تعقيدات، ويجدون أنَّ كلَّ شيء سيمضي بالتجاوز وعدم إعطاء الأشياء الحيز الأكبر من التفكير. إنَّ مسألة التغاضي تحتاج دراسة عميقة، خاصة وأنَّ أيَّ طرفين في بداية علاقتهما الزوجية، هم في طور اكتشاف بعضيهما: طريقة التفكير، مدى الاستجابة، ردود الأفعال، الاهتمامات، نظرتهم للأشياء ومدى ضيقها واتساعها، خاصة وأنَّ البيئة تلعب دورا كبيرا في تشكيل وتكوين الشخصية؛ وبالتالي يكون كل طرف أمام اختبار في العمل بشكل جاد على بدء حياة جديدة، مبنية على شراكة حقيقية، دائما بداياتها مليئة بالتحديات، لكن سرعان ما تتغيَّر إن كان الطرفان على استعداد تام وتقبُّل لاحترام كيان كل منهما.
بهذا يُصبح الحب بالنسبة لي مُرتبطا بـ"لغات الحب السبعة"، التي تُترجم مفاهيم العلاقة التي يمكن أن نطلق عليها العلاقة المريحة "المنسجمة"، والتي ترتكز على ركائز قوية ومتينة من الصعب أن تتلاشى أو تنقطع، لأنها متجددة بشكل مستمر، وأطرافها يجدون في كل شيء متعة وسعادة، حتى الخصام ما هو إلا فرصة لتجديد الحب، وما هو إلا دليل على العمق بينهما.