الخليج وثقافة الديمقراطية (15)

الخلل السكاني معوقا

 

د. عبدالحميد إسماعيل الأنصاري *

المقصود بالخلل السكاني (المجتمع الذي يشكل فيه الوافدون نسبة عالية من السكان، ومن قدرات المجتمع الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، لفترة ممتدة ومتصلة من الزمن)، طبقاً للكتاب القيِّم "سكان الخليج.. مظاهر الخلل وآليات المواجهة"، لمجموعة من الباحثين الخليجيين، وتحرير عمر هشام الشهابي، مكتبة آفاق، الكويت 2014.

تتفاوت مجتمعات الخليج في حدة هذا الخلل، لكن منذ تحرير هذا الكتاب وإلى يومنا 7 سنوات، تفاقم هذا الخلل لتصل نسبة المواطنين في بعض مجتمعات الخليج إلى أقلية تشكل 10% من السكان.

ما هي خصائص القوى العاملة الوافدة؟

- أولاً: أنها تشكل عمالة جماعية كثيفة، أكثريتها مُستجلبة من دول ذات فائض بشري، أو مجاعة، أو منكوبة بصراعات أهلية واضطرابات سياسية.

- ثانياً: معظمها عمالة رخيصة مُتدنية الأجور والمهارات والتعليم، تفتقد المسلك المدني والمظهر الحضاري.

- ثالثاً: أغلبيتها العظمى لا تجمعها ثقافة مدنية أو اجتماعية مُشتركة؛ فهي ثقافات ومعتقدات وتقاليد شتى، تنحدر من 200 جنسية.

- رابعاً: انتماءاتها هي إلى أوطانها الأصلية التي تحمل جنسيتها؛ فلا تفاعل لها مع المواطنين، ولا مع البلد الذي وفدت إليه، تعيشُ كل جالية منفصلة قانونيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا عن الجاليات الأخرى، تشكل جزراً منعزلة ومعسكرات عمل منغلقة.

- خامساً: لا تتألف من مكون اجتماعي متوازن من الرجال والنساء والأطفال، فأغلبيتها تتكون من الذكور (العزاب)، وأقلية من الإناث (العازبات)، لا تكوِّن أسراً طبيعية، لأن القوانين الخليجية لا تسمح لها بالتزاوج محليًّا؛ مما غلب السمة الذكورية للمجتمع الخليجي.

- سادساً: لا يرتبط مصيرها بمصير المواطنين؛ فلا يجمعها مصير أو مستقبل مشترك مع المواطنين أو البلد الخليجي؛ فكلُّ جالية تربط مستقبلها ومستقبل أطفالها بالوطن الأم، بل إنَّ الجاليات الوافدة لا يرتبط مصيرها ببعضها، فلكل جالية وطنها الأم المرتبطة به.

- سابعاً: مدخلات التنشئة الأسرية تختلف باختلاف الجاليات، ولا تجمعها تنشئة مشتركة مع أبناء المواطنين؛ فلكل جالية تنشئتها ومدارسها ولغتها وثقافتها.

- ثامناً: الغالبية العظمى منها تفتقد لحقوق المواطنة؛ كونها تتطلب اندماجاً وطنيًّا يتعذر تحقيقه في مجتمع خليجي محكوم بأعراف وتقاليد ومفاهيم قبلية. (راجع المؤلف القيِّم: "تنمية الضياع" للمفكر القطري علي الكواري).

وما هي الآثار المترتبة على الوجود الكثيف للقوى العاملة الوافدة؟

في مقالاتي السابقة: "الهُوية الخليجية في عالم يفيض بسكانه"، و"الخليج وتحديات القرن الـ21" و"مهددات الهوية الوطنية للدولة الخليجية"، و"غرباء في أوطاننا"، و"لكيلا يصبحوا قنابل بيولوجية موقوتة"، تناولت هذه الآثار بالتفصيل؛ وهي:

1- ازدحام العواصم الخليجية بالعمالة الكثيفة، بما يرفع من مستوى التلوث السمعي والبصري والبيئي، ومن الكثافة المرورية الخانقة، وأثَّر سلباً على الجودة النوعية للخدمات والمرافق العامة.

الخليج أغنى الدول، لكن أهله يفتقدون (جودة الحياة) كما في الدول المتقدمة !

2- العبء المتزايد الذي تشكله هذه العمالة على الخدمات والمرافق العامة والبنية التحتية تكلف دولنا موازنات فلكية لتطويرها وصيانتها سنويًّا، صاحب ذلك تضخم أو تورم عمراني بلا مردود اقتصادي على الموارد العامة للدولة، بل وشكل استنزافاً هائلا للثروة الوطنية، وعدواناً على حقوق الأجيال القادمة.

3- تفشي الفساد بسبب الاتجار بالبشر المجرَّم دوليًّا عبر الاتجار في (التأشيرات والإقامات) كان من نتائجها فيضان عواصمنا بكثرة العمالة السائبة والمتسولين.

4- تهميش العنصر المواطن في قوة العمل، وإضعاف إنتاجيته بسبب الاعتماد المفرط على العنصر الوافد، وضعف المخرجات التعليمية وقصور برامج التأهيل.

5- حال الوجود الكثيف لهذه المجاميع البشرية الوافدة دون نمو مجتمع مدني قوي، وتعزيز مفهوم المواطنة، وخلق ثقافة اجتماعية ذات ردع وضبط اجتماعي كما هي الحال في المجتمعات المزدهرة.

وأخلُص إلى القول بأنَّ مجتمعاً لا يشكل فيه المواطنون الأغلبية لن تجدي فيه الديمقراطية، ولن يكون له دور حقيقي في صنع القرار العام.. فهنا مظاهر ديمقراطية متفاوتة خليجيًّا أعرقها ديمقراطية الكويت؛ لكنها غير فعالة لا في ترشيد القرار، ولا في احتواء الفساد، ولا في تحقيق التنمية ولا في صنع التقدم.

 

* كاتب قطري