حق الدفاع لا يعني التضليل

 

عيسى الغساني

تتَّفق كل القوانين على أنَّ حقَّ الدفاع -وهو حق شخصي- يمنَح المدعي، أو المدعى عليه، تقديم ما يُثبت أو ينفي ما هو مُتنازع عليه، في حال نشوء خلاف أو نزاع بين طرفين، ويشكِّل حق الدفاع أحد المبادئ الرئيسية لتحقيق العدالة وإنصاف الطرف المظلوم وإعادة الحق لصاحبه، والذي أثره إعادة التوازن النفسي والقيمي والأخلاقي إلى منظومة السلوك الاجتماعي.

وحقُّ الدفاع يعني تقديم كل الأدلة والقرائن بشأن إثبات الحق، أمام المحكمة المختصة، ولكن يُثار تساؤل: ما هي حدود حق الدفاع الأخلاقية والقانونية؟

استقرَّ العملُ القانونيُّ في دول عدة بأن حدود حق الدفاع هو تقديم أدلة صادقة، صحيحة، غير مخالفة أو مجافية للواقع؛ وذلك انطلاقا من مبدأ احترام العدالة، واحترام حق المجتمع في أن تكون الأحكام مُعبِّرة عن كبد الحقيقة والعدل، والحقيقة والعدل أسمى القيم الاجتماعية الخالدة في الضمير والوجدان الإنساني، وأساس ثبات واستقرار التجمع الإنساني.

وينظِّم حق الدفاع قيدا أخلاقيا وقانونيا.. والقيد الأخلاقي والقانوني المنظم لاستخدام حق الدفاع هو عدم جواز تقديم دليل غير صحيح أو اختلاق دليل، أو حجب دليل، أو استخدام القانون كأداة للتشويش على سير العادلة بالمماطلة، وإهدار وقت الأطراف، بتقديم وقائع أو حقائق لا تربطها صلة بالواقع وموضوع الخلاف.

مبدأ الصدق والأمانة

وإذ ما أخدنا الخصومة ومفهوم حق الدفاع لكلا الطرفين، سواء المدعي أو المدعى عليه، فإنَّ كلا الطرفين يحده مبدأ الصدق والأمانة واحترام وتقديس دور القضاء، ويتجلَّى ذلك في تقديم أو عدم تقديم أو إخفاء حقيقة أو دليل بقصد صرف انتباه المحكمة. وهذا التزام أخلاقي وقانوني إذا أخلَّ به، تجرمه بعض القوانين.

 

شرف الخصومة

وهو ما يُطلق عليه في الأدبيات شرف الخصومة، وهي صفة وسلوك إنساني رفيع، يجد مجاله الرحب في شتي مناحي الحياة، ومجاله الأسمى عند حدوث الخلاف، وأمام القضاء قيمة شرف الخصومة الأخلاقية والقانونية يجب أن تبقى بكل جوانبها، وهي ليست أمانة أمام القضاء، بل أمام الفرد والمجتمع؛ ذلك أنها تُشكِّل قيمة الصدق في الوجدان الحي للضمير الجمعي.

 

صدق الدليل

وبعضُ القوانين عندما يقدم أحد الأطراف أو مُمثله في سبيل الدفاع عن واقعة أو تصرف، دليل يطلب منه أن يقدمه كتابة، لكي تتيقَّن المحكمة من صدق الدليل، فإذا ما ثبت أن الدليل غير صحيح، تتخذ إجراءات جنائية ويقدم للمحكمة بتهمة التلفيق وتضليل العدالة. وهو إجراء الغاية منه حماية نزاهة الأحكام وحق المجتمع القانوني والأخلاقي في حفظ الحقوق، وكذلك بناء منظومة القيم الأخلاقية، وبأن التجديف والتخليق لأحداث ووقائع غير موجودة، لا يُشكل جريمة فحسب، بل يُمثل اعتداء على قيم المجتمع الحافظة لوحدة كيانه وتماسكه، ومربط نموه وازدهاره.

 

سد فراغ تشريعي

وواقع الحال يقتضي بأن يطور قانون الإجراءات المدنية والتجارية، ويضع تعريفا وتفصيلا جامعا مانعا لجريمة تضليل العادلة، وإفراد نص يحدد مفهوم جريمة خداع المحكمة أو تضليلها ضمن قانون الجزاء، ويجب أنْ لا يسقط هذا النص بالتقادم. ووضع مواثيق أخلاقية لكل المهن ومنها مهنة المحاماة، وممارسة العمل القانوني بمختلف القطاعات.

تعليق عبر الفيس بوك