رنين الوتر

 

وداد الاسطنبولي

واابوي....!

هكذا كان يغرِّد صوت المذياع في السيارة حين لمحت من المرآة الجانبية في شارع الحي وجها مألوفا لديَّ يقف في عرض الشارع، رأيتُ ذاك الوجه بوضوح؛ فالبشاشة كما هي ترتسمُ على مُحيَّاه. دون شعور، وجدتُ نفسي أراقبه عن بُعد، وأسرعت أخفي نفسي في زاويه ضيقة لكي لا تراني الوجوه.

هُناك وجوه جميلة تمرُّ في حياتنا، ويبقى لها جميل الأثر ولو بعد مرور الأيام والشهور والسنوات، ونتأوَّه اندهاشا، وتتفجر باقات من المشاعر الغريبة لم نكن نتوقع حضورها، ونتسمَّر في المكان نراقب من بعيد الملامح ككل وجزء، كجسد وروح، كعقل وعاطفه، هل تغيَّرت؟ أم كما هي باقية؟ ويمرُّ شريط طويل يجدد الماضي ويحيي في نفوسنا أحلى ذكرى.

تبتسمُ أرواحنا في داخلنا، لم نتوقع أنَّ الصُّدف الجميلة وبلا ميعاد تنقش فينا الحنين لصور أرشيفية اندثرت بوقتها، وقد أخطأت الظن في النسيان فمنه تُخلقُ ذكرى ووجود جديد، وانبلاج شعور، ولحظة لم نكُن نتوقع حضورها أو انتظارها، لكنها أتت وليدة نفسها، فعلَّمتنا أن البقايا ما هي إلا حياة تتصارع وتتهافت حولنا.

ما أجمل الذكريات والدفء الذي تحمله، حين نسترجع الأشخاص يحملون الحنين لروح المكان والزمان. نحتاج بين الفينة والأخرى لأنْ نقلب ألبوم الصور ونتأمل الملامح التي لها رونق خاص بالقلب.

فإنعاش الروح رحمة، والورود لا تذبل أبدا، والكلام لا ينتهي، والحب لا يموت، والشروق حياة، والغروب نهاية لبداية جديدة.

وفي لمحة بصر وانشغالتها، رحَل ذاك الوجه، تاركا ابتسامة عريضة على ملامحي، فكما أتى بلا ميعاد رحل بلا ميعاد، واحتراما للحظة المقدسة رفعت يدي ملوحة بالوداع.. أيقنتُ أنَّ الحياة تدور وقد نلتقي ربما في زمن غير الزمن، وفي مكان غير المكان، ويجمعنا الوقت صُدفة وبلا ميعاد، وكما نحن لصوت الماضي، ولكن مخاطبة المستقبل أجمل، وأكملتُ سماع عملاق الغناء يتردد في أذني: "خلي أسر قلبي، وضحكت لنا الدنيا وغنانا الهوى... وابوي أنا".

تعليق عبر الفيس بوك