ضحايا العلم والعمل في زمن كورونا

أنيسة الهوتية

حتى لا تتأزم البشرية مَعَ أزمة فيروس كوفيد19، فإنِّه مِن حَقِها أن تتطور علمياً وعملياً وتكافح لأجل رُقي الإنسان حتى لا تأتي أجيالٌ مُتخلفة متكاسلة لاحقاً، ويجب علينا إطفاء نار كورونا حتى لا تُخَلِفَ رماداً على هذه الكُرة الأرضية. ولَكِن، ليس على حساب البشرية نفسها!

فإنَّ كل شيءٍ في الحياة سلاحٌ ذو حَدين، والشخص الذي يُمسك السلاح يستطيع أن يحكم ويوازن بين مدى الأمان والخطورة في مسكته وتعامله معه، وحين يشعر بأنَّه يكاد أن يُجرح عليه تغيير المساحات والمسافات ليعيدها إلى الحد الآمن له. إلا إذا كان مُتأخراً في إدراكه.

وفي مجال التعليم، فَتح المدارس جُزئياً كانَ قراراً صائباً لدفع عجلة العلم إلى الأمام، ولكن على الجهات الحكومية المسؤولة إغلاق أي مدرسة مُباشرة بعد التأكد من ولو إصابةٍ شخص واحد فيها سواء كان من الكادر التعليمي، أو من المُتلقين للعلم، وعدم التهاون والمخاطرة بأرواحهم اقتضاءً للقوانين ومنعاً للإحراج المِهني! رسائل الأستاذ أحمد بن زهران الإسحاقي -رحمه الله- لوزارة التربية والتعليم ولوزارة الصحة عن الإصابات المُؤكدة في المدرسة بفيروس كورونا كان يجب أن تكون كفيلة بالتحرك الصارم والسريع لإقفال المدرسة مباشرة ووضع الجميع في الحجر الصحي الإجباري. ولكن التهاون الذي حصل، لا يُعلَم إلى أين أدى ووصل بانتشار الفيروس ونسأل الله السلامة، وقد ذهب المغفور له -رحمه الله- ضحية لهذا الإهمال بينما كان يطالب الجهات المسؤولة بالتحرك السريع! نعم، تعددت الأسباب والموت واحد، ولكن الأسباب تأتي لأسباب!

والأسباب هنا تقتضي العمل بقانون الوقاية خيرٌ من العلاج، وللوقاية يجب إقفال المدرسة وأي مدرسة أخرى تسجل ولو إصابة واحدة بالفيروس، ثم تطهير المدرسة وكل فصولها من قبل وزارة الصحة. ووضع كل الأفراد من معلمين وعاملين وطُلاب في الحجر الصحي الإجباري غير المؤسسي مع المتابعة العامة، ووضع القيود والقوانين الصارمة عليهم في حال لم يلتزموا بالحجر، ومتابعة الدراسة والتدريس عن بعد خلال أيام الحجر الإجباري إلى أن تتأكد الجهات المسؤولة من سلامة الطاقم بأكمله.

 وللوقاية أيضاً يجب التنازل عن بعض الروتين والقوانين والانضباطات مثل البصمة في مواقع العمل، فهناك الكثير من المؤسسات خاصة في القطاع الخاص لازالت تطالب الموظف بالبصمة لتقييد الحضور والانصراف! بالله عليكم، بصمة في هذا الوقت المتأزم من تفشي كورونا؟!!! أليست الكوادر الإدارية قادرة على معرفة من حضر ومن انصرف من مواقع العمل!؟ وإن لم تكن قادرة على هذا الشيء البسيط، فإنها إذا غير قادرة على الإدارة بشكل عام! والتدقيق الإداري لايجب أن يكون مختصراً في تقرير البصمة، وعلى المدققين العلم بأنَّ التقرير الإلكتروني ليس دقيقاً وإن كان إلكترونياً لأنه بالإمكان تغيير التواقيت يدوياً قبل طباعتها من المختص بالدخول إلى الجدول! وفي النهاية إنهاء الأعمال المنوطة على عاتق الموظف بأكمل وجه هو الهدف الأساسي للعمل وليس الحضور والانصراف خاصة إذا كان العمل غير مقيد مكانياً.

وهُناك الكثير من الفراغات في قصة كورونا يجب ملؤها بالمعقول. وعندما يتحدث مواطن، أو موظف، ويكرر الحديث والطلب والسؤال يجب أن يكون المسؤول مُنتبهاً ومستمعاً ومتصرفاً  بسرعة بديهة، ومثلما نحن مطالبون بعدم تهويل الأمور كذلك نحن مطالبون بعدم استصغارها! ولا يتحدث المواطن أو الموظف أو أي إنسان لأي سبب في أي موضوع إلا إذا كان قد وصل نهاية صبره، أو أنه بدأ يشعر بالخطر القادم.

ومن هذا المنبر أوجه تعازيي إلى أهل وذوي الأستاذ المغفور له بإذن الله تعالى أحمد بن زهران الإسحاقي، وادعو الله الشفاء العاجل للمصابين.