هل الاقتصاد الوطني بحاجة لخطة إنقاذ؟

علي الرئيسي

الحديث عن حوافز لتنشيط الاقتصاد قد يكون تجاوزه الزمن؛ فهناك من يرى أننا بحاجة لخطة إنقاذ وطني، كالخطط التي تُوضع عند الحروب والكوارث الطبيعية. وهذا ما أورده أيضا الاقتصادي الأمريكي المعروف بول كرومان في المناظرة التي حصلت بينه وبين وزير المالية الأسبق في حكومة أوباما، لورنس سمرز (بلومبيرج). حيث ذكر أن الآثار الاقتصادية للجائحة شبيهة بآثار الكوارث الطبيعية والحروب؛ لذلك يُمكن قراءة خطة بايدن بتقديم حوافز تقدر بمبلغ 1.9 تريليون دولار، على أنها خطة إنقاذ وطني.

لقد ضخت معظم دول العالم خلال العام 2020، وبعضها سيضخ خلال العام القادم، المليارات، وفي حالة الولايات المتحدة تريليونات من الدولارات. ومن ضمن الدول التي أقرت حزمًا تحفيزية كانت السلطنة وسواء كان ذلك عن طريق القروض الميسرة، أو تأجيل سداد القروض للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة من بنك التنمية، أو الحزم والإجراءات التي أعلن عنها البنك المركزي العماني، وتلك التي قامت بها البنوك التجارية.. وهذا يدل على إدراك الحكومة للحظة التاريخية وأهمية وضرورة الدعم المالي للأسر والشركات.

القراءة المتفحصة للتحديات الاقتصادية، التي مرت بالبلد إثر انهيار أسعار البترول، والشلل الاقتصادي من جراء الجائحة، تجعلنا ندرك صعوبة الوضع الاقتصادي الذي واجهته السلطنة، خاصة وأن السلطنة لا تتمتَّع بحيز مالي، نظرا للعجوزات المالية المتراكمة منذ 2014، واحتياطياتها من العملات الأجنبية محدودة، مما يصعِّب من عملية ضخ حوافز كبيرة للنشاط الاقتصادي. ولا شك أن خطة التوازن المالي هي خطة في الاتجاه الصحيح، وأن الاقتصاد كان بحاجة ماسة لها؛ حيث ستعيد تحسين التقييم السيادي من قبل مؤسسات التقييم السيادية (موديز، آس.آند.بي، وفيتش)، كما لابد من السيطرة علي المديونية الخارجية والتي قفزت في العام 2020 إلى 80 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي حسب صندوق النقد الدولي، وتأتي إشادة صندوق النقد الدولي في بيانه الأخير إثر المحادثات الأخيرة للمادة الرابعة من المشاورات بخطة التوازن المالي في هذا السياق، والذي اعتبره البعض مغرقا بالتفاؤل، وقد أثنى بنك جي.بي مورجان على خطة التوازن ونصح عملاءه بأن الديون العمانية المطروحة في سوق الدين العالمية هي أقل مخاطرة من ديون تركيا السيادية (تقرير مورجان ستانلي في 15 فبراير 2021).

إنَّ فرض جملة من الإجراءات من بينها فرض ضريبة القيمة المضافة خلال العام الحالي، والضريبة الانتقائية، وربما ضريبة الدخل مستقبلا، هذا إضافة إلى رفع قيمة تعرفة الكهرباء والمياه، دفعة واحدة. إضافة إلى إحالة عدد كبير من الموظفين إلى التقاعد المبكر، وخصم عدد من العلاوات والحوافز في الأجهزة الحكومية، ستؤدي جميعها إلى خفض كبير في "الدخل الصافي" للأفراد، وستضعف من قوتهم الشرائية، كما ستزيد من كلفة السلع والخدمات، خاصة بعد قيام وزارة العمل برفع فاتورة استجلاب العمالة الوافدة. وهذا إذا أضفنا إلى ذلك عودة عدد كبير من العمالة الوافدة إلى بلدانهم، ووجود -حسب إحصائيات حكومية- 75 ألف وحدة سكنية فارغة في منطقة مسقط فقط. إن هذه الإجراءات والكلفة المرتفعة لمدخلات الإنتاج ستقلل من تنافسية اقتصاد السلطنة وستضعف من فرص توفير الاستثمارات المحلية والأجنبية الضرورية لسد ثغرات التمويل اللازمة للنمو الاقتصادي.

إن انكماش الناتج الإجمالي المحلي بنسبة 6.4 بالمائة في 2020 حسب إحصائيات صندوق النقد الدولي، يتطلب وجود خطة حكومية تحاول من خلالها تحفيز الطلب الكلي في الاقتصاد الوطني. إن هذه الخطة تأتي أهميتها بأنها تمنع تدهور الوضع المالي للمزيد من الأفراد والشركات العاملة في السلطنة. إنَّ تعثر الشركات وانخفاض أرباحها سيؤدي إلى زيادة في الديون المتعثرة المقدمة من البنوك التجارية؛ مما سيؤثر على سلامة وصحة النظام المصرفي في البلد. كما أن استمرار حالة الكساد الاقتصادي وتباطؤ النمو سيكون لهما آثار اقتصادية واجتماعية طويلة الأجل، ومن الصعب التغلب عليها مستقبلا بسهولة.

لذلك؛ علينا أن نُدرك أنَّ خطة "التوازن المالي" رغم أهميتها، فإنها وسيلة وليست هدفا، الهدف هو التنمية الاقتصادية المستدامة، وتحسين مستوي معيشة المواطن، أليس هدف التنمية هو الإنسان؛ لذلك لابد من خطة إنقاذ وطني، أو لابد من حزم تحفيزية شريطة توافر عدد من الشروط فيها: أن تكون مؤقتة، وأن تستهدف قطاعات اقتصادية معينة، ويكون تأثيرها مباشرًا على زيادة الطلب الكلي.

ودوعني أستذكر هنا قول ميرلاند كينز: لكي تحفز الاقتصاد يجب أن تمنح الناس النقود في جيوبهم لكي ينفقوها على السلع والخدمات، بعدها ستقوم الشركات بزيادة الاستثمار. وهذا يتطلب أيضا من السلطات النقدية اتباع سياسة نقدية توسعية أكثر فاعلية، وذلك بضخ مزيد من السيولة في النظام المصرفي، وتبني سعر فائدة منخفض، خاصة وأنَّ التخوف من التضخم غير جديٍّ حاليا.

 

* باحث اقتصادي