الإرث الوظيفي.. كيف تريده؟

عبدالله الراشدي

abdohsqu@hotmail.com

هناك الكثير من أنوع الإرث الذي يخلفه المرء ويورّثه للآخرين، ولعل كلمة الإرث أو الورث ترتبط ذهنيا بما يخلفه الناس من أموال منقولة وغير منقولة لذويهم. وقد ورد في القرآن الكريم آليات تقسيم هذا الإرث بين الورثة، ولكن ما نحن بصدد الحديث عنه هو نوع آخر من الإرث ألا وهو الإرث الوظيفي وهو -ربما- غير قابل للتقسيم، وبالرغم من كونه إرثا؛ إلا أنه يظل الجزء الأكبر منه مرتبطا بالمورِّث لا بالوارث كما في حال الإرث المتعارف عليه الذي يؤول للورثة. والإرث الوظيفي يقصد به ما يخلفه المرء بعد خروجه من المؤسسة التي عمل بها؛ سواء إنجازات أو إخفاقات، سيرة حسنة أو سيئة. ويرتبط مفهوم الإرث الوظيفي كثيرا بالسمعة، فكل ما ذكر سابقا سيكون رصيد في سمعة الشخص بعد خروجه من مؤسسة متقاعدا أو مُنتقلا لمؤسسة أخرى أو منتقلا للرفيق الأعلى.

لكن.. كيف لموظف أو عامل أن يخلف إرث خلفه؟

إنَّ الإرثَ الذي يخلفه الموظف يبدأ في تكوينه منذ اليوم الأول لعمله، ويبدأ في التراكم مع الوقت ليصبح رصيدا كبيرا مع سنوات العمل الطويلة. الجيد في أمر هذا الإرث أن الشخص يستطيع أن يحدد ما الذي يريد أن يورّثه لنفسه ولغيره ولمؤسسته التي قد يقضي فيها ردحا من عمره.

ومثلما أشرت سابقا فإن مكونات هذا الإرث قد تكون إنجازا يشار له بالبنان، فكلما ذُكر الإنجاز تراءى للآخرين صورة صاحب الإنجاز. وينطبق الأمر على الإخفاق فمتى ما كان هناك تقصير وإهمال واستغلال للعمل ومسؤولياته، ارتبطت صورة هذا الإخفاق بصورة من وقف خلفه. وإضافة للنجاح والإخفاق والتي تكوّن الصورة الذهنية حول موظف ما، إلا أنَّ السيرة العملية للموظف أو المسؤول قد تكون الأبرز في مكونات هذا الإرث. بل قد تغطي على إنجاز أو إخفاق قام به الموظف أو المسؤول مقابل سيرة وسمعة حسنة في مؤسسته.

رغم أن ما ذُكر عن التركة أو الإرث الذي يمكن أن يخلفه المرء للآخرين قد يبدو بسيطا، إلا أنه في الحقيقة ليس بالأمر الهين أو السهل أبدا. أن ما يخلفه الشخص ليس كسيارة اقتناها وتركها خلفه وإنما كالمال الذي اقتنى به السيارة على مدار سنوات، والسيارة هي تلك السمعة المتبقية -إن جاز التعبير. يحتاج الأمر لكي تُخلِّف سمعة وإرثا وظيفيا ترتضيه لنفسك أن تعمل بطاقة وهمَّة عالية لا تخفت ولا تثنيها المواقف والمطبات اليومية؛ بحيث يكون هدفك أسمى من رضا المسؤول الأعلى ليكون رضا نفسك والله هو الأهم، الرضا الذي يُشعرك أنك تعطي أكثر مما تأخذ، وبعبارة أخرى عطاؤك أكبر أو يساوي ما تتلقاه في نهاية الشهر من مال، وأنك تحب لغيرك من الموظفين ما تحبه لنفسك بل وأكثر، وتتمتع بكرم المشاركة ونقل الخبرة ولديك القدرة على تبني قدرات الآخرين، والأخذ بيدهم، حينها قد تستطيع البدء في بناء إرث تسعد بحمل سمعته معك وبقاء صداه وأثره في مؤسستك وموظفيها.

لذلك؛ على الموظف والمسؤول -وكلاهما مسؤول- أن يفكر مليا في الإرث الذي يريد أن يخلفه والسمعة التي ستبقى في عقول من بقي من زملاؤهم ومن يأتي بعدهم؛ فكم من موظف أو مسؤول خرج ولا تزال سمعته الطيبة وسيرته بين زملائه تعطر المكان وتتهلل الوجوه بسماع ذكره، وهناك من خرج غير مأسوف عليه تتبعه عبارات الذم والتقبيح من جهة، وعبارات الفرح والاستبشار بخروجه من جهة أخرى.. فاختر لنفسك أيها الموظف ما تريد.

تعليق عبر الفيس بوك