"كذبة"!

 

وداد الإسطنبولي

هناك مقال أعجبني من الأخ عبدالله الفارسي صدر في 24 يناير 2021م، بعنوان "جمعة مباركة".. شهادة لله إنه "بيرفكت" (رائع) تآلف مقاله مع ما سأدونه الآن.

فكما القلوب تتقارب، تتقارب روح الكتابات، باختلاف بهاراتنا، وربما بهاراتي أكثر رونقاً وجاذبية كوني أنثى.. واختلفت معه في المواقف والطرافة.. بدايتي حيث نزولي من السيارة التي تقودها إحدى القريبات لإيصالي للعمل، وحين توجهي بابتسامة عريضة على محياي سمة تعودت عليها، بالأصح ربانية وأصبحت تلازم ملامحي، وقبل توجهي لمكتبي ألقيت التحية الصباحية على زملاء العمل الذين اتخذوا بقعة منزوية بجانب البوابة الرئيسية للعمل مكاناً لإفطارهم الصحي قبل بداية يوم جديد، وأقصد بالإفطار لفافة السيجار التي يستمتعون بها بالنفخ غير مبالين بما تحمله من إرشادات أسفل العبوة.

ورهفت أذني وأنا أبتعد بخطواتي عنهم لكلمة "كذبة" الحروف التي خرجت من حنجرة قائلها أعرفها ووثقت الحديث في ذاكرتي "كورونا هذا كذبة".

أثارت كلمته نفسيتي، وتغيرت ملامحي نوعاً ما، ودخلت المكتب ووضعت أغراضي على الطاولة بحمق، مقطبة الجبين، مشوشة الفكر، وأرى نظرات اندهاش من حولي! فالعادة تضج تحيتي بفتح الباب بقوة وبصوت جهوري أقول"صباح الخير" فصارت ديدني إذا لم أفعلها، إذن هناك خطب ما.

توترت ولم يتحمل الكرسي بقائي، واضطربت معدتي، لا أدري أهي من الجوع أو تلك الكلمة لها صدى غريب، فحملت نفسي بخطوات سريعة، لكي أجد ذاك الزميل لأفهم مغزى كلمة" كذبة" والاهتداء إلى حقيقة حديثه، فقد وجع نفسي وأنا على يقين بأنَّه إنسان فاهم واعٍ وشهادات مرفقة و..و.. وفي مكان يحتاج المجتمع منه التوجيه والإرشاد والوعي، وتساءلت عن فكره حتى بان التأويل أن "باب النجار مخلع".

وإذا كان فيروس كورونا كذبة كما يقول وعبارته صادقة كما يدعيها، فماذا نسمي ما نسمعه من أخبار إعلامية، وجرائدنا امتلأت بحبر سواد الأقلام لهذا الفيروس الذي احتضن العالم؟ وماذا نسمي هجومه كالرياح الهوجاء التي أخذت الأخضر واليابس معها؟ وماذا عن الحدود والمنافذ المغلقة؟! وتلك العيون الساهرة علينا من الجهات المعنية بهذا الأمر؟!

هل يعتقد زميلي أنَّ المساجد أغلقت هباءً؟! أم أن التعليم توقف من فراغ كلمته.

والاقتصاد الهابط وقرارات الالتزام؟ والقلق الذي ألم بنا؟.. والفاجعة المرة في سقوط أرواح أحبابنا من هذا البغيض كورونا.

وحين أنظر إلى الواقع أجد تلك العيون الشاردة أضحت تترقب عداد موتها، ومن عليه الدور في زهق روحه.

انقلبت صورتي فلم أعد تلك الوديعة التي تحمل ابتسامة تسر الناظرين.. كنت فقط أريد توضيحا منه هل رأى بيننا انسجاما وتعايشا مع صديقنا كورونا؟

كان مستهترا! وتأثير لفافة السيجار أثقل فكره، أم أنَّ هناك عقول أفقها محدود رغم إدراكها لما يدور، ربما يحتاج لقرصة لكي يفيق من حلم أكذوبته، تنفست الصعداء وعدت أدراجي وجلست بين الزميلات متسعة الحدقتين: معقول إنها كذبة!! فشعرت بشعور الأخ: لا أريد جمعة مباركة.

تعليق عبر الفيس بوك