أنيسة الهوتية
الأغلبية تقول إن السكري والضغط والكولسترول هو مرض العصر، وهُناك أقليَّة تقول إنَّ السرطان وأمراض القولون أيضا أصبحت من مرض العصر! ولكنني أقول أن الاكتئاب هو مرض العصر الحديث وما قبله وبعده!
فمُعدَّل زيادة الاكتئاب عالميا في تزايد مستمر، وهو أحد الأسباب الرئيسية للإصابة بالأمراض العضوية، والمشاكل الاجتماعية، وكذلك الجرائم في حقِّ المجتمع أو حق النفس، والتي يتمثل أقواها في الانتحار! وأكثر دولة في العالم يعاني سُكانها من الاكتئاب هي الولايات المتحدة الأمريكية! والحالة في تزايد مفرط منذ العام 2017م في الشرق الأوسط كذلك، وكشفت منظمة الصحة العالمية في العام 2019م أن العالم يعاني من أكثر من 300 مليون مُصاب بالاكتئاب الحاد، التي ذهب ضحايا لها أكثر من 800 ألف منتحر، ناهينا عن المتوفين بالجلطات والسكتات بسبب الاكتئاب كذلك، لأنه حين يصل إلى درجة حادة تتسبب في عدم القدرة على التنفس الطبيعي، والذي يتسبب بنقص كمية الأكسجين في الرئتين والجسم؛ مما لاشك أن عواقبه تأتي وخيمة.
ونسبة النساء المصابات بالاكتئاب في العالم أكثر بكثير من الرجال، والسبب أنَّ المرأة تمر بفترة تغير هرمونات خاصة عند الحمل، وبعد الولادة، وخلال الطمث، وأيضاً حين الوقوع في الحُب! فهي أضعف نفسيًّا عن الرجل في الارتباط العاطفي، خاصة في حالات المشاحنات العاطفية بين الطرفين حين يتعاكس الطرفان في التنفيس؛ فالمرأة تفضل المصارحة والحوار لإنهاء الخلافات أما الرجل فيفضل الصمت! وبين هذا وذاك يحصل الانفصال أو تكبت نفسها وتصمت حتى لا تفقده، وفي الحالتين تزداد نسبة الاكتئاب لديها، خاصة وأنها أكثر تعرُّضا للإصابة بخلل الهرمونات. ومن أكثر النساء اللائي يُعانين من الاكتئاب هن المتعرِّضات للتحرش في البيئة القريبة، التي لا تستطيع أن تحمي منها نفسها أو تبتعد، مثل البيئة المنزلية العائلية، أو العملية، التي لا تستطيع الهروب حتى لا تفقد لقمة عيشها، فتتحمل العبء النفسي إلى أن تتصالح مع نفسها، وتتحول إلى شخصية منحطة اجتماعيًّا أو تزداد حالتها سوءًا، وتنهي مأساتها بالانتحار في لحظة ضعف لا ترى بعده انتصارا.
والاكتئاب هو اضطراب في المزاج مؤثر على السلوك والتفكير، ويؤدي إلى الكثير من المشاكل العاطفية والجسدية والاجتماعية كما آنفنا، خاصة حين يحاول مريض الاكتئاب أن يسعد نفسه بما يعارض المجتمع والدين، وإن فعل ذلك فقد دخل فيما لا يرضيه لأن الهجوم عليه سيبدأ من المجتمع دون تقدير لحالته النفسية؛ لأنه في نظر المجتمع إنسان طبيعي ليس بمجنون ولا بمريض نفسي؛ فالاكتئاب لا يظهر للعيان بهيئة مرض أو عالة جسدية أو حتى هلوسات نفسية! لذلك؛ علاجه أصعب من غيره، وبما أنَّنا نعيش في مجتمعات ترفض الخطأ المعلون، وتقبله إن كان في السِر! فالمصاب بالاكتئاب لا يعمل في السر إنما يتصرف في العلن محاولا الحصول على البهجة فيكون هدفاً للانتقاد والتكفير، خاصة إذا تابعه أهله على مهل، وأغلب الأهالي في المحيطات التي يتحكَّم فيها المجتمع يخشون الانتقادات، فيتبرَّأون من أبنائهم أو يُعاقبونهم عقابا شنيعا، يزيد من سوء حالاتهم، ويوجهونهم إلى الانتحار بطريقة غير مباشرة.
وكشفتْ الدراسات الأخيرة أنَّ أهالي السواحل والهضاب والجبال والقُرى الصغيرة قليلاً ما يُصابون بالإكتئاب، وأغلب الإصابات هي لأهالي المدن الكبيرة، وأيضاً للمتعلمين والدارسين، ويكاد يكون عدد الإصابات صفراً للأُميين أو الاشخاص البسطاء في الحياة! وهذا سِرٌ آخر من أسرار السعادة في الحياة!
وبجانب الأدوية الطبية المضادة للاكتئاب هناك مأكولات طبيعية وعادات صحية تعالج وتخفف من نسبتها، أهمها: الشكولاته الداكنة، وسمك السلمون والتونة، والسمسم، والاستحمام بالماء البارد.