للضمائر قصص

 

فاطمة الحارثية

 

كان يا مكان، في جميع الأزمان، سمرٌ كل مساء يجمع بين العقل والفكر في قتال ونزاع مُنهكٍ، ليحكم لمن الغلبة؟ أهي للعَفَاف أم الخطيئة، جاهد من أراد بحجج لينتصر لشهواته وآخر ليعيش خيراً، صنعت قصص الضمائر نهايات دامعة دائمًا، ومزجت حيناً بين دموع الحب والفرح وبين دموع الندم والحزن حينا آخر، فنحن لا نعلم في أي زخم يغسل النَّاس وجوههم كل صباح وفيم يسرحون.

عندما يكثر النقد الهادم، يقود الشخص إلى رهبة الإقدام والمبادرة، فواقع تأثير النقد قائم منذ الأزل، ولقد هدم ورفع حيوات ونُظم ومسارات لا تُعد ولا تحصى، ليس يسيرا ولا مقبولا لدى معظمنا، وخاصة عندما يكون المرء من ضمن تلك الدائرة التي لا يرغب تنمر الحياة أن يفك خنجره عن نحرها، وتأتي به مكبلاً برأس مطأطأ ونفس تضج بالحيرة والارتباك، لمجهول يهوي به بين المد والجزر، ولا يكاد يُعلِن عن مساره حتى تموج به رياح الظروف بدون واعز من ضمير، فتارة تسكن الرياح ويهدأ لبعض الوقت، وتارة أخرى تحمله الأعاصير إلى المجهول، إن تقلبات الحياة أساس لا يُمكن الاستغناء عنه وأمر مسلم به، بيد أنَّ التغيير في علم وعن علم يبقى أقل إرباكا وأكثر قبولا للمضي نحو الغريب الجديد.

السرد حلم يراودك ويراودني، بأن نرسم على الصفحات البيضاء معالم يومنا وخارطة نهارنا ومساءاتنا، أن يقرأ الناس عن أحلامنا وكوابيسنا، أن يتخيل معنا كيف كانت ردودنا، وكيف أنجزنا مهامنا وانتصاراتنا الصغيرة في عين الآخر، والعظيمة في عين أنفسنا، أن نحكي عن تلك الكلمة الصغيرة التي خلقت ابتسامة، والجملة التي أوجدت علاقات وأخرى وقفت عند نقطة النهاية فجأة.

كان يحكى عن الضمير عندما وقف صامتاً أمام الشر، تتملكه الحيرة من هدوئه، وصاحبه يموج فسادا وشرا، ولا أثر للعواقب التي ذُكرت في كُتب التاريخ، وأرعبته منذ صغره بقائمة العقوبات وقسوتها، حتى بات صاحبه في غروره، يعيش فسادا وظلماً ومن حوله خانع مستسلم، نام الضمير واستشهدت البراءة. سأل الضمير نفسه: هل أنا ممن يرون الشر خيرا؟ ما هو الشر؟ وما سجيته؟ وعلاماته؟ فالخِضر عليه السلام أعاب سفينة وقتل غلاماً أي أتى بفعل ظاهره شر وباطنه خير كثير، فكيف لنا أن نحكم أو نعي معيار الخير حقيقة ونميزه عن الشر؟ من منكم يستطيع أن يُجزم أنه على صواب؟ وفعله سليم صحيح!

قال الضمير لصاحبه، أرى أن الغرور أخذ منك مأخذا، وإن لم تتواضع ستتأذى كثيرا، ليرد صاحبه وما أدراك أن الأذى ليس محتوماً بعزتي أو بتواضعي؟ وما دليلك أن السوء الذي قد يعتريني عقاب أم ابتلاء؟ وأن اعتقادك هو الصائب؟ فرد الضمير: إذاً أنت مصر على التيه، فرد صاحبه: هل تعلم ربما تكون وسواس خناس، أو نفسي الأمارة بالسوء، فلماذا استمع إليك؟، وخروجك من داخلي ونصحك لي بفعل عكس ما أنا فاعل لا يعني بالضرورة أنك الخير المُطلق أو عالم بصواب الصواب وخطأ الخطأ.

سُّمو..

عندما تركن داخل قمم ذاتك، وتتأرجح بين خيار الأفعال، وضجيج صوتك الداخلي، امنح لنفسك بعض الهدوء وتقدم بكل خوفك ووجسك فلن تأتي إلا قدرك.