طفولة عُمانية

 

خالصة بنت علي السليمانية

رغم أننا أصبحنا أمهات، وآباء إلا أنَّ الذكريات تأخذُنا إلى عالم الطفولة البريء، والجميل الذي لم أراهُ في زمن أطفالنا الذين صاروا يقضون مُعظم أوقاتهم في البيت أمام شاشات صغيرة، أصبحت عالمهم الجميل الذي لم يبدعوا فيه بشيء.

كم أشفق عليهم حين أتذكر طفولتنا التي انطلقت إلى عالم فسيح، يبدأ أحياناً قبل طلوع الشمس حين نذهب إلى جني الرطب (الخراف)، أو نذهب إلى الشريعة لإحضار ماء الشرب (نروّي)، أو نتسابق إلى بساتين النخيل، لجمع ثمار النخيل (الرّقاط) من بساتين النخيل (المِيلان)، وحين نعود أدراجنا إلى المنزل نمر على نفس البساتين، ونجمع (نرّقط) ثمار النخيل التي لم نستطيع رؤيتها قبل طلوع الشمس، كنَّا نرقط على فترتين في الصباح، والعصر قد نصل إلى أماكن بعيدة؛ لنحصل على كمية كبيرة من الرقاط والفرحة الكبرى حين تهب الرياح هنا نبني أحلام من الرقاط الذي جمعناه بشراء أشياء كنا نحلم بامتلاكها، ولم يستطيع أهلنا توفيرها لضيق ذات اليد. الحرارة شديدة في عز الصيف، وحتى نبرّد على أجسامنا نمر على الفلج ونغسل الحجاب الذي نرتديه (الوقاية). النخلة بتفاصيلها كانت جزءًا من حياتنا بل حياتنا، ففيها وجدنا التعاون بين الأهل والجيران الذي يتمثل في موسم الجدد، والمتعة والمرح في صنع الطائرات من الخوص. كما استخدمنا الكرب في صنع الحجاة (الدُمية) نهتم بها حتى أننا نحاول أن نصنع لها بعض الملابس من قماش نحصل عليه من الخياط القريب من منزلنا بعد استئذانه.

الفلج وحوض السباحة (الجِل) عالم لم نملّه يوماً نقضِ ساعات في الفلج نصنع من الطين أشكالاً من خيالنا الواسع، أو نجد قطعة نقود (خمس بيسات) نقوم بفركِها ليُصبح لونها فضياً (25 بيسة) نستطيع أن نشتري بها من الدُكان. ربما كنَّا نعلم أن قطعة النقود لن يتغير لونها، ولكن طفولتنا لغز لن يفهمه البالغون. كان الفتيان يخرجون من البيت أكثر من البنات؛ لذلك كانت حياتهم عبارة عن مغامرة تلو الأخرى من بداية اللعب بالكرات الزجاجية (الجلول) التي كنَّا نحن البنات يأخذُنا الفضول إلى رؤيتهم وهم يلعبون بها، وحين يشتد التنافس يصبح اللعب أكثر حماساً وتشويقاً، كان الأمهر في اللعب يسمى (الحشار) وهو معروف في القرية أنه كذلك وينتهي آخر اليوم بمُغامرة في الحارة القديمة المهجورة.

البساطة محور حياتنا حتى في الأكل كنَّا نشوي البصل نشعل ناراً، أو تكون النار مشتعلة أساساً ونرمي البصل فيها وإلى أن ينضج نتسلّى بإذابة بلاستيك (سقاية عصير) في أسفل علبة البيبسي (القوطي)؛ ليصبح بعدها قرصا دائريا (جيس). ما أحلى وأجمل ليالي الشتاء الباردة!

حين يتجمع الأهل والجيران حول النَّار يتسامرون. قد نشعر بالدفء ونحن حول النار، ولكن جمعة القلوب الصافية وتبادل الأحاديث أكثر دفئاً.

لم أذكر إلا جزءًا بسيط من حكايات طفولتنا، ولكن في الحقيقة عشنا طفولتنا بكل تفاصيلها الصغيرة والبسيطة وتمادينا في البحث عن السعادة في أدق تفاصيلها وأبسطها لم نوّفر الوقت ولم نستعن بالكماليات التي يمكن أن تزيد اللقاء تألقاً بل كانت تكفينا أرواحنا البريئة وقلوبنا النقية.

تعليق عبر الفيس بوك