عُمان تجدد ثوب نهضتها

 

راشد بن محمد الكيومي

أتذكَّر وأنا أتابع الخطاب الثاني لمولانا حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- بتاريخ 23 فبراير 2020، أنني وزملاء آخرين أجمعنا في نقاشنا على أنَّ الخطاب يُعد تمهيدًا واضحاً وجلياً لمرحلة مُفعمة بالتغيير والتجديد، وكان من السهل على المُتمعن في الخطاب أن يفهم حرص جلالته- أيده الله- ورغبته في أن يُجدد النهضة الميمونة التي بدأها وبناها السُّلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- وأن ينطلق بها إلى تحقيق أهداف أكثر إشراقاً ويصل بها إلى غايات نتوق لها جميعاً قيادة وشعباً.

لقد تضمن الخطاب الإشارة إلى مواضيع عديدة مثل: إعادة هيكلة الجهاز الإداري وتوجيه الموارد المالية بما يضمن خفض المديونية وزيادة الدخل، وتبني نظم وسياسات عمل جديدة تمنح الحكومة المرونة اللازمة لأداء مهامها، وتحديث منظومة التشريعات والقوانين، ومراجعة أداء الشركات الحكومية، والتأكيد على أهمية انتهاج الحكومة لأسلوب إدارة كفؤة وفاعلة،، والعديد من النقاط الهامة.

وها نحن في غضون سنة واحدة نشهد عدداً كبيراً من التعديلات والإجراءات الحاسمة التي كنَّا نظنها صعبة التغيير؛ حيث بلغ عدد المراسيم السلطانية التي صدرت خلال عام 2020 ما مجموعه 132 مرسوما تضمنت العديد من التعديلات المُهمة في مختلف جوانب العمل مثل إصدار نظام المحافظات والشؤون البلدية، وإصدار قانون تبسيط إجراءات التقاضي في بعض المنازعات، وإصدار قانون جهاز الأمن الداخلي، وإصدار نظام الأمان الوظيفي، وإصدار قانون المجالس البلدية، وغيرها من القوانين والأنظمة وتعديلاتها. ويأتي إصدار هذا الكم الكبير من القوانين تحقيقاً لوعد جلالته- أعزَّه الله- بتحديث منظومة التشريعات والقوانين ومنح الحكومة المرونة اللازمة لأداء مهامها.

وإلى جانب إصدار هذه القوانين، فقد اتخذ جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم العديد من الإجراءات الناجعة والناجذة التي اتسمت إلى جانب عامل السرعة بعنصر آخر هام وهو الشجاعة وجرأة القيادة، حيث إنَّ عددًا من الموضوعات كانت محل نقاش على مدار سنوات عديدة ورفعت بشأنها الكثير من الدراسات والتوصيات ولعل أفضل مثال لها هو موضوع دمج صناديق التقاعد التي كان التباين بينها واضحاً، فجاءت أوامر جلالته بإنشاء صندوقين فقط مدني وآخر عسكري أمني بعد أن كانت 11 صندوقاً.

ومن الإجراءات التي اتسمت بجرأة القيادة ترشيق الجهاز الإداري للدولة بتخفيض عدد الوزارات والهيئات العامة ودمجها فتم تخفيض الحقائب الوزارية من 26 إلى 19، وتم تخفيض الهيئات الحكومية إلى 10 بدلاً من 19 هيئة. أيضاً تمَّ تخفيض أعداد الموظفين في الجهازين المدني والعسكري بواسطة التقاعد الإجباري، وتمت مراجعة أعمال الشركات الحكومية وإلغاء بعضها، وتمَّ استكمال دراسة تخفيض رواتب المنتمين للشركات بطريقة تراعي الواقع الاقتصادي والمعيشي في السلطنة. كذلك تمَّ إلغاء عدد من العلاوات والبدلات المالية التي كانت تصرف في بعض الجهات وذلك تحقيقاً لمبدأ العدالة الوظيفية. وقد سبق هذه الإجراءات تنازل جلالته -حفظه الله- عن مناصب هامة جدًا مثل منصب وزير الدفاع ووزير المالية ووزير الخارجية ورئيس مجلس المُحافظين في مثال رائع في القيادة بإعطاء الثقة وتفويض الصلاحيات بعد أن ترسخت سياسات ومنهجيات العمل في السلطنة في شتى المجالات.

لا شك أنَّه إزاء كل تلك القوانين والتشريعات التي صدرت أو عدلت، وإزاء مختلف الإجراءات التي اتخذت فإنَّ ذلك يجعلنا نجزم بأن عُماننا الغالية تجدد ثوب نهضتها وتصوغ منظومة إدارية حديثة سوف تُؤتي ثمارها في غضون سنوات قليلة قادمة بإذن الله رغم تحديات الأوضاع الاقتصادية الناتجة عن انخفاض أسعار الوقود وتفشي جائحة كورونا.

ومن خلال استعراضنا للعديد من التعديلات والتغيرات الهامة جداً التي شهدتها السلطنة في غضون عام واحد، نستطيع التأكيد على توفر ملمح هام في القيادة الإدارية وهو ضرورة استفادة أعضاء الحكومة الرشيدة من هذه الروح القيادية التي اتِّسم بها جلالته -أيده الله- المتمثلة في عاملي السرعة وجرأة القيادة من أجل إحداث نقلة نوعية في الأداء المؤسسي وتسريع وتيرة الإنجاز والعمل. ذلك لأنَّ المواطن يُريد أن يرى ثمار هذه الإجراءات بطريقة تعود عليه مباشرة في صور شتى مثل تبسيط الإجراءات وجودة تقديم الخدمات وتحسن الأوضاع الاقتصادية وتوفير فرص وظيفية للباحثين عن العمل وتمكين الكفاءات العمانية في الوظائف العليا والمتوسطة في شركات القطاع الخاص، وتطوير المواقع السياحية لتحسين المردود المالي لها، وزيادة الاستثمار المحلي وجذب الاستثمارات الخارجية، وزيادة العائد المالي لعدد من القطاعات بما يُعزز موازنة الدولة وغير ذلك من المنافع والإيجابيات المرتقبة مستلهمين من قيادة جلالته- حفظه الله- عاملي السرعة وجرأة العمل التي أشرنا إليهما آنفًا.

ختاماً.. إنِّه مما لا شك فيه أن النص في النظام الأساسي للدولة على تشكيل لجنة لمراقبة ومتابعة أداء الوزراء والوكلاء ومن في حكمهم ورؤساء وأعضاء مجالس إدارات الهيئات والمؤسسات العامة والرؤساء التنفيذيين تتبع جلالة السُّلطان مباشرة سوف يتحقق من خلالها هذا الهدف بإذن الله.

تعليق عبر الفيس بوك